الثلاثاء، 25 فبراير 2020

منهج أهل السنة من عصمة العلماء وموقف المسلم من ذلك.

منهج أهل السنة من عصمة العلماء

🏷قال الله تعالى -: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)﴾. فأصحاب رسول الله ﷺ حصل منهم من الخطأ في ترك الجبل الذي أمرهم رسول الله ﷺ بلزومه وعدم مفارقته وحصل هذا الأمر منهم فكانت الهزيمة بعد النصر ثم أكرمهم الله تعالى بالنصر فليسوا بمعصومين رضي الله عنهم فكيف بغيرهم من العباد مهما بلغوا من الخير فلن يكونوا أهدى من أصحاب رسول الله ﷺ

🏷وقال الله تعالى -: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)﴾
فهذا خطاب لكل مسلم أن يتق الله تعالى ووعده الله بالخير في الدنيا والأخرى ومن ذلك مغفرة الخطأ والزلل وهذا دليل أن المؤمن يحتاج إلى توبة الله تعالى عليه وهو العبد المذنب فعلينا بتقوى الله تعالى .

🏷وقال تعالى -: ﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68)﴾

🏷وقال الله تعالى -: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)﴾
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله ﷺ: «والّذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم». [مسلم(2749)]. خطاب لأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو خطاب لجميع المكلفين عدا الأنبياء بأن العبد مجبول على الخطأ مهما بلغ من التقوى والعلم والخير فاللهم عفوك عنا وسترك علينا يارب.

🏷وعن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ ﷺ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: « يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم». [مسلم(2577)]
وعن معاذ رضي الله عنه قال قال: رسول الله ﷺ: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟». قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: «كفّ عليك هذا»، فقلت: يا نبي الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم». [وقال الألباني في صحيح الترمذي(2110) صحيح]
ومعاذ بن جبل أمام العلماء يوم القيامة برتوة .[صحيح الجامع(5880)]

✒ قال الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى -:
لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينه وبينه شحناء وإحنة، وقد علم أن كثيراً من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر لا عبرة به ، لا سيما إذا وثق الرجل جماعة يلوح على قولهم الإنصاف. [السير(7/40-41)]

✒وقال الذهبي – رحمه الله تعالى -:
ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل، لكن هم أكثر الناس صواباً، وأندرهم خطأ، وأشدهم إنصافاً، وأبعدهم عن التحامل.
وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح، فتمسك به، واعضض عليه بناجذيك، ولا تتجاوزه، فتندم.
ومن شذ منهم، فلا عبرة به.
فخل عنك العناء، وأعط القوس باريها، فوالله لولا الحفاظ الأكابر، لخطبت الزنادقة على المنابر، ولئن خطب خاطب من أهل البدع، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة، وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول ﷺ ، فنعوذ بالله من الخذلان. [السير(11/ 83)]

✒قال الشيخ صالح آل الشيخ – حفظه الله تعالى -:
لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ، فعلماء الحديث والأثر وأهل الفقه والنظر ربما حصل منهم أغلاط لأنَّهُم غير معصومين، وهذه الأغلاط التي قد تحصل منهم حُصُولها من نِعَمِ الله - عز وجل -.
ولمَّا سُئِلَ بعض الأئمة عن غلط العالم؛ كيف يغلط العالم، كيف يخالف السنة، كيف يكون في سلوكه مُقَصِّرْ، كيف يغيب عن ذهبنه في مسألة التدقيق ويتساهل؟
فقال (لئلا يُشَابِهْ العلماء الأنبياء)، لأنَّ النبي هو الذي لا ينطق عن الهوى، هو الذي يصيب في كل شيء وهو الذي يُتَّبَعْ في كل شيء، فإذا كان العالم على صوابٍ كثير وربما وقع في اجتهاد هو عليه مأجور ولكنه أخطأ في ذلك، لم يكن عند الناس رَفْعْ لعالم في منزلة النبي فَيُتَّبَعْ على كل شيء، فيحصل في النفوس التوحيد والبحث عن الحق من الكتاب والسنة والنظر فيما يُبَرِّئْ الذمة في ذلك.[شرح الطحاوية الشريط(45)].

✒قال العلامة العباد - حفظه الله تعالى -:
ليست العصمةُ لأحد بعد رسول الله ﷺ فلا يسلم عالِمٌ من خطأ، ومن أخطأ لا يُتابَع على خطئه، ولا يُتخذ ذلك الخطأ ذريعة إلى عيبه والتحذير منه، بل يُغتفر خطؤه القليل في صوابه الكثير، ومن كان من هؤلاء العلماء قد مضى فيُستفادُ من علمه مع الحذر من متابعته على الخطأ، ويُدعى له ويُترحَّم عليه، ومَن كان حيًّا سواء كان عالماً أو طالب علم يُنبَّه على خطئه برفق ولين ومحبَّة لسلامته من الخطأ ورجوعه إلى الصواب. [رفقاً أهل السنة بأهل السنة(14)]
وذكر بعدها نقولات جيدة في هذا الصدد أنقلها لكم منها:

🕳قال سعيد بن المسيب: ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلاَّ وفيه عيب، ولكن مَن كان فضلُه أكثرَ من نقصه ذهب نقصه لفضله، كما أنَّه من غلب عليه نقصانه ذهب فضله. وقال غيره: لا يسلم العالم من الخطأ، فمَن أخطأ قليلاً وأصاب كثيراً فهو عالم، ومن أصاب قليلاً وأخطأ كثيراً فهو جاهل. [جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/48)]

🕳وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى -:
إذا غلبت محاسنُ الرَّجل على مساوئه لَم تُذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ عن المحاسن لَم تُذكر المحاسن. [سير أعلام النبلاء للذهبي (8/352)]
وقال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -:
لَم يعبر الجسر من خراسان مثل إسحاق (يعني ابن راهويه)، وإن كان يخالفنا في أشياء؛ فإنَّ الناسَ لم يزل يخالف بعضُهم بعضاً. [سير أعلام النبلاء (11/371)].

🕳وقال أبو حاتم ابن حبان: كان عبد الملك ـ يعني ابن أبي سليمان ـ من خيار أهل الكوفة وحفاظهم، والغالب على من يحفظ ويُحدِّث من حفظه أن يهم، وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبْتٍ صحَّت عدالتُه بأوهام يهم في روايته، ولو سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك حديث الزهري وابن جريج والثوري وشعبة؛ لأنَّهم أهل حفظ وإتقان، وكانوا يحدِّثون من حفظهم، ولم يكونوا معصومين حتى لا يهموا في الروايات، بل الاحتياط والأولى في مثل هذا قبول ما يروي الثبت من الروايات، وترك ما صح أنَّه وهم فيها ما لم يفحش ذلك منه حتى يغلب على صوابه، فإن كان كذلك استحق الترك حينئذ. [الثقات (7/97 ـ 98)].

🕳وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -:
ومِمَّا ينبغي أن يُعرف أن الطوائفَ المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدِّين والكلام على درجات، منهم مَن يكون قد خالف السنَّةَ في أصول عظيمة، ومنهم مَن يكون إنَّما خالف السنَّةَ في أمور دقيقة.
وَمن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعدُ عن السنَّة منه، فيكون محموداً فيما ردَّه من الباطل وقاله من الحقِّ، لكن يكون قد جاوز العدل في ردِّه بحيث جحد بعضَ الحقِّ وقال بعضَ الباطل، فيكون قد ردَّ بدعةً كبيرة ببدعة أخفَّ منها، ورد باطلاً بباطل أخفَّ منه، وهذه حالُ أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنَّة والجماعة.
ومثل هؤلاء إذا لَم يَجعلوا ما ابتدعوه قولاً يفارقون به جماعةَ المسلمين يوالون عليه ويعادون كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأَهم في مثل ذلك.
ولهذا وقع في مثل هذا كثيرٌ من سلف الأمة وأئمتها لهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة، بخلاف مَن والى موافقَه وعادى مخالفَه، وفرَّق بين جماعة المسلمين، وكفَّر وفسَّق مخالفَه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحلَّ قتال مخالفه دون موافقه، فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات. [مجموع الفتاوى (3/348 ـ 349)].

🕳وقال [ المجموع(19/191 ـ 192)]: وكثيرٌ من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنَّه بدعة، إمَّا لأحاديث ضعيفة ظنُّوها صحيحة، وإمَّا لآيات فهموا منها ما لَم يُرَد منها، وإمَّا لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتَّقى الرَّجل ربَّه ما استطاع دخل في قوله تعالى: ﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾ وفي الصحيح أنَّ الله قال: (قد فعلتُ).
وقال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى -:
ثم إن الكبير من أئمَّة العلم إذا كثر صوابُه، وعُلم تحرِّيه للحقِّ، واتَّسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعُرف صلاحُه وورعه واتِّباعه، يُغفر له زللـه، ولا نضلِّله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم! ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك. [سير أعلام النبلاء (5/271)].
وهذا يقصد به الأئمة الكبار من أهل العلم والإجتهاد فإن مكانتهم ينبغي أن تصان ولا يُطَرحوا بحال.

🕳وقال أيضاً: ولو أنَّا كلَّما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له قُمنا عليه وبدَّعناه وهجَرناه، لَمَا سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا مَن هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحقِّ، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة. [السير (14/39 ـ 40)].

🕳وقال أيضاً: ولو أنَّ كلَّ من أخطأ في اجتهاده ـ مع صحَّة إيمانه وتوخِّيه لاتباع الحقِّ ـ أهدرناه وبدَّعناه، لقلَّ مَن يسلم من الأئمَّة معنا، رحم الله الجميعَ بمنِّه وكرمه. [السير (14/376)].
وقال أيضاً: ونحبُّ السنَّة وأهلها، ونحبُّ العالم على ما فيه من الاتِّباع والصفات الحميدة، ولا نحبُّ ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنَّما العبرة بكثرة المحاسن. [السير (20/46)].

🕳وقال ابن القيم رحمه الله تعالى -:
معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم وأنَّ فضلَهم وعلمَهم ونصحهم لله ورسوله لا يوجب قبول كلِّ ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول، فقالوا بمبلغ علمهم والحقُّ في خلافها، لا يوجب اطِّراح أقوالهم جملة، وتنقصهم والوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصد، وقصد السبيل بينهما، فلا نؤثم ولا نعصم... إلى أن قال: ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أنَّ الرَّجلَ الجليل الذي له في الإسلام قدَم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلَّة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين . [إعلام الموقعين (3/295)].

🕳وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى -:
ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير من صوابه. [القواعد (ص:3)]

وليس هذا من باب الموازنة بين الحسنات والسيئات فإنها قاعدة حزبية مردودة يراد بها هدم الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسكوت على المبطل.
فمعرفة قدر العالم والداعي السلفي أمر مهم وإن أخطأ لأن الخطأ كتبه الله على جميع بني آدم عد الأنبياء والرسل.
فينبغي التعامل مع خطأه وغلطه بما يناسبه وبما يكون عونا له على ترك الخطأ لأن الأصل فيه السنة والسلامة وقصد الحق والسنة والخطأ يناصح عليه ولا يوافق عليه.
وإن كان من المسائل التي يسع فيها الخلاف فلكل واحد قوله.
وأما المبتدع فينظر إلى غلطه وتشغيبه وانحرافه لأن الأصل فيه البدعة والفتنة والشر على دين الله تعالى.

📚كتبه/ أبو محمد طاهر السماوي وفقه الله وسدده ودفع عنه الشر وأهله.

🕳المرجع/ كلام الأقران بعضهم في بعض.

24/جماد الأخر/ 1441ه
https://t.me/taheer77
    ════ ❁✿❁ ════
*✍ إنشـــر.فنشر.العــلم.من.أجل.القربـــات.ms*

الجمعة، 7 فبراير 2020

✿ وصف نساء الجنة وحورها✿

الباب العشرون: وصف نساء الجنة وحورها

المبحث الأول: الحور العين
الحور العين نساء لا يعلم مقدار حسنهن وجمالهن إلا الذي خلقهن، ولكنهن جميلات طيبات حسنات الأخلاق والسيرة، وإذا رآها المؤمن عرف حالها بعد ذلك إذا دخل الجنة رآهن وعرفهن، وعرف أخلاقهن وجمالهن، لكن الآن يعرفن بإخبار النبي عليه الصلاة والسلام، وما ذكر عنهن في القرآن وأنهن حور عين والحوراء البيضاء جميلة وحسنة العين هذا من جمالها، وأما كمال جمالها يعرفه الإنسان إذا دخل الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهلها.
فالمقصود أنهن نساء خلقهن الله جل وعلا لإكرام أهل الجنة ولنعيم أهل الجنة من الرجال، ولا يعلم المادة التي خلقن منها إلا الذي خلقهن الله عز وجل، بخلاف نساء الدنيا فهن من ماء مهين معروفات ويكن في الجنة في غاية من الجمال في الجنة، وتزوج النساء في الجنة على حسب ما تقتضيه أعمالهن الصالحة، فالله جل وعلا هو الكريم الجواد وهو الذي يزوجهن في الجنة، سواءً كن لأزواجهن في الدنيا أو لغير أزواجهن في الدنيا، أما أزواج النبي ﷺ فهن له في الآخرة عليه الصلاة والسلام.[موقع العلامة ابن باز رحمه الله]
لهاك النوم عن طلب الأماني ... وعن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلدا لا موت فيها ... وتلهو في الخيام مع الحسان
تيقظ من منامك إن خيراً .... من النوم التهجد بالقرآن
يزوج الله المؤمنين في الجنة بزوجات جميلات غير زوجاتهم اللواتي في الدنيا، كما قال تعالى -: ﴿ كذالك وزوجناهم بحور عين﴾.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في النونية:
وَإِذَا بَدَتْ فِي حُلَّةٍ مِنْ لُبْسِهَا ... وَتَمَايَلَتْ كَتَمَايُلِ النَّشْوَانِ
تَهْتَزُّ كَالْغُصْنِ الرَّطِيبِ وَحَمْلُهُ ... وَرْدٌ وَتُفَّاحٌ عَلَى رُمَّانِ
وَتَبَخْتَرَتْ فِي مَشْيِهَا وَيَحِقُ ذَا ... كَ لِمِثْلِهَا فِي جَنَّةِ الْحَيَوَانِ
وَوَصَائِفٌ مِنْ خَلْفِهَا وَأَمَامِهَا ... وَعَلى شَمَائِلِهَا وَعَنْ أَيْمَانِ
كَالْبَدْرِ لَيْلَةَ تِمِّهِ قَدْ حُفَّ فِي ... غَسَقِ الدُّجَى بِكَوَاكِبِ الْمِيزَانِ
فَلِسَانِهِ وَفُؤَادِهِ وَالطَّرْفُ فِي ... دَهَشٍ وَإِعْجَابٍ وَفِي سُبْحَانِ
فَالْقَلْبُ قَبْلَ زِفَافِهَا فِي عُرْسِهِ ... وَالْعُرْسُ إِثْرَ الْعُرْسِ مُتَّصِلانِ
حَتَّى إِذَا مَا وَاجَهَتْهُ تَقَابَلا ... أَرَأَيْتَ إِذْ يَتَقَابَلُ الْقَمَرَانِ
فَسَلِ الْمُتَيَّمَ هَلْ يَحِلُّ الصَّبْرُ عَنْ ... ضَمٍّ وَتَقْبِيلٍ وَعَنْ فُلْتَانِ
وَسَلْ الْمُتَيَّمَ أَيْنَ خَلَّفَ صَبْرَهُ ... فِي أَيِّ وَادٍ أَمْ بِأَيِّ مَكَانِ
وَسَلْ الْمُتَيَّمَ كَيْفَ حَالَتُهُ وَقَدْ ... مُلِئَتْ لَهُ الأُذُنَانِ وَالْعَيْنَانِ
مِنْ مَنْطِقٍ رَقَّتْ حَوَاشِيهِ وَوَجْـ ... ـهٍ كَمْ بِهِ لِلشَّمْسِ مِنْ جَرَيَانِ
وَسَلْ الْمُتَيَّمَ كَيْفَ عِيشَتُهُ إِذَا ... وَهُمَا عَلَى فُرَشَيْهِمَا خَلَوَانِ
يَتَسَاقَطَانِ لَئَآلِئًا مَنْثُورَةً ... مِنْ بَيْنِ مَنْظُومٍ كَنَظْمِ جُمَانِ
وَسَلْ الْمَتَيَّمَ كَيْفَ مَجْلِسُهُ مَعَ الْـ... مَحْبُوبَ فِي رَوْحٍ وَفِي رَيْحَانِ
وَتَدُورُ كَاسَاتُ الرَّحِيقِ عَلَيْهِمَا ... بِأَكُفٍّ أَقْمَارٍ مِن الْوِلْدَانِ
يَتَنَازَعَانِ الْكَأْسَ هَذَا مَرَّةً ... وَالْخُودُ أُخْرَى ثُمَّ يَتَّكِئَانِ
فَيَضُمُّهَا وَتَضُمُّهُ أَرَأَيْتَ مَعْـ...شُوقَيْنِ بَعْدَ الْبُعْدِ يَلْتَقِيَانِ
غَابَ الرَّقِيبُ وَغَابَ كُلُّ مُنَكِّدٍ ... وَهُمَا بِثَوْبِ الْوَصْلِ مُشْتَمِلانِ
أَتَرَاهُمَا ضَجِرَيْنِ مِنْ ذَا الْعَيْشِ لا ... وَحَيَاةِ رَبِّكَ مَا هُمَا ضَجِرَانِ
وَيَزِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا حُبًّا لِصَا ... حِبِهِ جَدِيدًا سَائِرَ الأَزْمَانِ
وَوِصَالُهُ يَكْسُوهُ حُبًّا بَعْدَهُ ... مُتَسَلْسِلاً لا يَنْتَهِي بِزَمَانِ
فَالْوَصْلُ مَحْفُوفٌ بِحُبٍّ سَابِقٍ ... وَبِلاحِقٍ وَكِلاهُمَا صِنْوَانِ
فَرْقٌ لَطِيفٌ بَيْنَ ذَاكَ وَبَيْنَ ذَا ... يَدْرِيهِ ذُو شُغْلٍ بِهَذَا الشَّانِ
وَمَزِيدُهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ حَاصِلٌ ... سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالسُّلْطَانِ
فمن صفاتهن التي رودت في القرآن والسنة النبوية -:
حور
قال الله تعالى : ﴿ كَذَ لِكَ وَزَوَّجۡنَـٰهُم بِحُورٍ عِین﴾ وقال الله تعالى -: ﴿ مُتَّكِـِٔینَ عَلَىٰ سُرُر مَّصۡفُوفَة وَزَوَّجۡنَـٰهُم بِحُورٍ عِین﴾ وقال تعالى -: ﴿ حُور مقصورات فِی ٱلۡخِیَامِ﴾ وقال تعالى -: ﴿ وَحُورٌ عِین﴾
وفي «الحُور العِين» لغتان: حُور عِين، وحِير عين، وأنشد:
أزمانَ عيناء سرور المسير ... وحَوْراء عيناء مِنَ العِين الحِير
وقال أبو عبيدة- رحمه الله تعالى-:
الحوراء: الشديدة بياض بياض العَيْن، الشديدة سواد سوادها. [زاد المسير(4/95)]
وقول البخاري- رحمه الله تعالى-:
« شديدة سواد العين وبياضها » زاد غيره: إذا كانت بيضاء. وأصل الحَوَر البياض، وكذلك قيل لنساء الحاضرة: الحواريات « لبيض » ألوانهن وثيابهن إلا أن العرب لا تستعمله إلا للبيضاء الشديدة سواد الحدقة في شدة بياضها.
قَالَ ابن سيده في «محكمه »: الحور هو أن يشتد بياضُ بياضِ العين وسوادُ سوادِها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها، وقيل: الحور: شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض الجسد ولا تكون الأدماء حوراء.
وقال أبو عمرو- رحمه الله تعالى-:
الحور أن تسود العين كلها مثل الظباء والبقر، وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء حور العيون؛ لأنهن يشبهن بالظباء والبقر. وقال كراع: الحور أن يكون البياض محدقًا بالسواد كله، وإنما يكون هذا في البقر والظباء ثم يستعار للناس، وهذا إنما حكاه أبو عبيد في البرج غير أنه لم يقل إنما يكون في الظباء والبقر. وقال الأصمعي: لا أدري ما الحور في العين؟ وقد حَوِر حَوَرًا واحْور، وهو أَحْور، وامرأة حَوْراء، وعين حوراء، والجمع حُور. [التوضيح لشرح الجامع الصحيح(17/359)]
قاصرات الطرف
قوله تعالى -: ﴿ وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾.
قوله«عِنْدَ » ظَرْفُ مَكانٍ قَرِيبٍ وقاصِراتِ الطَّرْفِ أيْ: نِساءٌ قاصِراتُ النَّظَرِ. والطَّرْفُ: النَّظَرُ بِالعَيْنِ، وقَصْرُ الطَّرْفِ تَوْجِيهَهٌ إلى مَنظُورٍ غَيْرِ مُتَعَدِّدٍ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: أنَّهُنَ قاصِراتٌ أطْرافَهُنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ. فالأطْرافُ المَقْصُورَةُ أطْرافُهُنَّ هن.
وإسْنادُ قاصِراتُ إلى ضَمِيرِ «هُنَّ » إسْنادٌ حَقِيقِيٌّ، أيْ: لا يُوَجِّهْنَ أنْظارَهُنَّ إلى غَيْرِهِمْ وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ مَحَبَّتِهِنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: أنَّهُنَّ يَقْصُرْنَ أطْرافَ أزْواجِهِنَّ عَلَيْهِنَّ فَلا تَتَوَجَّهُ أنْظارُ أزْواجِهِنَّ إلى غَيْرِهِنَّ اكْتِفاءً مِنهم بِحُسْنِهِنَّ وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ تَمامِ حُسْنِهِنَّ في أنْظارِ أزْواجِهِنَّ بِحَيْثُ لا يَتَعَلَّقُ اسْتِحْسانُهم بِغَيْرِهِنَّ، فالأطْرافُ المَقْصُورَةُ أطْرافُ أزْواجِهِنَّ، وإسْنادُ «قاصِراتُ » إلَيْهِنَّ مَجازٌ عَقْلِيٌّ إذْ كانَ حُسْنُهُنَّ سَبَبُ قَصْرِ أطْرافِ الأزْواجِ فَإنَّهُنَّ مُلابِساتٌ سَبَبَ القَصْرِ.[التحرير والتنوير(23/175)]
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
وهذا معنى ﴿ قاصرات الطرف﴾ لكن أولئك قاصرات بأنفسهن، وهؤلاء مقصورات، وقوله: «في الخيام» على هذا القول: صفة الحور.
أي هن في الخيام. وليس معمول لمقصورات، وكأن أرباب هذا القول فسروه بأن يكن محبوسات في الخيام لا يفارقنها إلى الغرف والبساتين.
وأصحاب القول الأول: يجيبون عن هذا: بأن الله سبحانه وصفهن بصفات النساء المخدرات المصونات. وذلك أجمل في الوصف. ولا يلزم من ذلك أنهن لا يفارقن الخيام إلى الغرف والبساتين، كما أن نساء الملوك ومن دونهن من النساء المخدرات المصونات يمنعن أن يخرجن في سفر وغيره إلى متنزه وبستان ونحوه فوصفهن اللازم لهن: هو القصر في البيت، وإن كان يعرض لهن مع الخدم الخروج إلى البساتين ونحوها.
وأما مجاهد فقال: مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ.
وقد تقدم وصف النسوة الأول. بكونهن قاصرات الطرف، وهؤلاء بكونهن مقصورات. والوصفان لكلا النوعين، فإنهما صفتا كمال. فتلك الصفة قصر الطرف عن طموحه إلى غير الأزواج، وهذه الصفة قصرهن عن التبرج والبروز والظهور للرجال. [التفسير القيم(507-508)]

عين:
وفي العِين ثلاثة أقوال: أحدها: حِسانُ العُيون، قاله مجاهد. والثاني: عِظام الأعيُن، قاله السدي. وابن زيد. والثالث: كِبار العُيون حِسانُها، وواحدتُهنَّ عَيْناء، قاله الزجاج.
قوله تعالى -: ﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ في المراد بالبيض ها هنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه اللؤلؤ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال أبو عبيدة. والثاني: بَيْضُ النَّعام، قاله الحسن، وابن زيد، والزجاج. قال جماعة من أهل اللغة: والعرب تُشَبِّه المرأةَ الحسناءَ في بياضها وحُسْن لونها بِبَيْضَة النَّعامة، وهو أحسن ألوان النساء، وهو أن تكون المرأة بيضاءَ مُشَرَّبَةٍ صُفْرَةً. والثالث: أنه البَيْض حين يُقْشَر قبل أن تَمَسَّه الأيدي، قاله السدي، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير، وقتادة، وابن جرير.
فأما المكنون، فهو المصون. فعلى القول الأول: هو مكنون في صَدَفِهِ، وعلى الثاني: هو مكنون بريش النَّعام، وعلى الثالث: هو مكنون بقشره. [زاد المسير(3/541)]

كواعب
قال الله تعالى -: ﴿ إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً * وكواعب أترابا﴾
قوله عزّ وجلّ: ﴿ وَكَواعِبَ﴾ قال ابن عباس: الكواعب: النواهد.
ولهم فيها زوجات على مطالب النفوس ﴿ كَوَاعِبَ﴾ وهي: النواهد اللاتي لم تتكسر ثديهن من شبابهن، وقوتهن ونضارتهن.
وكواعب: أي شابات تكعبت ثديهن الواحدة كاعب والجمع كواعب.
وقال الله تعالى -: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً، حَدائِقَ وَأَعْناباً، وَكَواعِبَ أَتْراباً، وَكَأْساً دِهاقاً﴾ أي: إن للذين اتقوا ربهم بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه فوزا وظفرا بالمطلوب، ونجاة من النار، بالاستمتاع بالبساتين ذات الأشجار والأثمار والأعناب اللذيذة الطعم، وبالنساء الحور الكواعب ذوات الأثداء القائمة على صدورهن لم تتكسر ولم تتدلّ، المتساويات في السن، وبتناول الكؤوس المترعة المملوءة بالخمر غير المسكرة.
وعد الله تعالى المتقين الذين اتقوا مخالفة أمر الله بالاستمتاع بالحور الكواعب ذوات النواهد التي تكعبت أثداؤهن، اللدات الأقران في السن، وهذا هو الإشباع الجنسي أو الغريزي.
عن البَرَاءَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الجَنَّةِ». [البخاري(1382)]

أترابا.
قال الله تعالى -: ﴿ عُرُبًا أَتۡرَابا﴾ وقال الله تعالى -: ﴿ وَكَوَاعِبَ أَتۡرَابا﴾ وقال الله تعالى -: ﴿ وَعِندَهُمۡ قَـٰصِرَاتُ ٱلطَّرۡفِ أَتۡرَابٌ﴾
قال العلامة صديق حسن خان – رحمه الله تعالى -:
قوله: ﴿أتراب﴾ أي متحدات في السن والشباب، أو متساويات في الحسن والجمال وقال مجاهد المعنى أنهن متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن ولا يتحاسدن، بنات ثلاث وثلاثين سنة، وقيل لدات آي متقاربات في الولادة، لأن التحاب بين الأقران أثبت أو بعضهن لبعض أو نصف لا عجوز فيهن ولا صبية، قال الشهاب: لدات جمع لدة كعدة أصلها ولد، وهو كالترب من يولد معك في وقت واحد، كأنهما وقعا على التراب في زمن واحد، والأتراب جمع ترب، واشتقاقه من التراب، لأنه يمسهن في وقت واحد، لاتحاد مولدهن والمعاني متقاربة. [فتح البيان(12/57)]
وقال: والأتراب جمع ترب وهو المساوي لك في سنك، لأنه يمس جلدهما التراب في وقت واحد، وهو آكد في الائتلاف، وهو من الأسماء التي لا تنعرف بالإضافة لأنه في معنى الصفة، إذ معناه مساويك، ومثله خدنك لأنه في معنى صاحبك، يقال في النساء أتراب وفي الرجال أقران.[المصدر السابق]
عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: أنَّ نبيَّ اللهِ ﷺ أتتْهُ عجوزٌ من الأنصارِ فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، ادعُ اللهَ أنْ يُدخِلَني الجنَّةَ، فقال نبيُّ اللهِ ﷺ: إنَّ الجنَّةَ لا يدخُلُها عجوزٌ، فذهب نبيُّ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآلهِ وسلم فصلّى، ثمَّ رجع إلى عائشةَ فقالتْ: لقد لقِيَتْ من كلمتكَ مشقَّةً وشدةً. فقال نبيُّ اللهِ ﷺ: إنَّ ذاك كذاك، إنَّ اللهَ تعالى إذا أدخلهنَّ الجنةَ، حولَهنَّ أبكارًا. [السلسلة الصحيحة(2987)].
قال ابن عاشور: والظّاهِرُ أنَّ أتْرابَ وصْفٌ قائِمٌ بِجَمِيعِ نِساءِ الجَنَّةِ مِن مَخْلُوقاتِ الجَنَّةِ ومِنَ النِّساءِ اللّاتِي كُنَّ أزْواجًا في الدُّنْيا لِأصْحابِ الجَنَّةِ، فَلا يَكُونُ بَعْضُهُنَّ أحْسَنَ شَبابًا مِن بَعْضٍ فَلا يَلْحَقُ بَعْضَ أهْلِ الجَنَّةِ غَضٌّ إذا كانَتْ نِساءُ غَيْرِهِ أجَدُّ شَبابًا، ولِئَلّا تَتَفاوَتَ نِساءُ الواحِدِ مِنَ المُتَّقِينَ في شَرْخِ الشَّبابِ، فَيَكُونُ النَّعِيمُ بِالأقَلِّ شَبابًا دُونَ النَّعِيمِ بِالأجَدِّ مِنهُنَّ. [التحرير والتنوير(23/175)]
عرباً.
قال الله تعالى -: ﴿ عُرُبًا أَتۡرَابا﴾
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -:
وَلِلْمُفَسِّرِينَ في مَعْنى «عُرُبًا» خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُنَّ المُتَحَبِّباتُ إلى أزْواجِهِنَّ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ.
والثّانِي: أنَّهُنَّ العَواشِقُ، رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، ومُقاتِلٌ، والمُبَرِّدُ؛ وعَنْ مُجاهِدٍ كالقَوْلَيْنِ.
والثّالِثُ: الحَسَنَةُ التَّبَعُّلِ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ.
والرّابِعُ: الغَنِجاتُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. والخامِسَةُ: الحَسَنَةُ الكَلامِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.[زاد المسير(4/224)]
قلت: وكل هذه المعاني صالحة لهن فقد جمعن الحسن الخلقي والخُلقي.

أبكارا.
قال الله تعالى -: ﴿ فَجَعَلۡنَـٰهُنَّ أَبۡكَارًا﴾
قال العلامة السعدي – رحمه الله تعالى -: صغارهن وكبارهن.
قال العلامة الرازي - رحمه الله تعالى -:
وقَوْلُهُ تعالى -: ﴿ أبْكارًا﴾ يَدُلُّ عَلى الثّانِي؛ لِأنَّ الإنْشاءَ لَوْ كانَ بِمَعْنى الِابْتِداءِ لَعُلِمَ مِن كَوْنِهِنَّ أبْكارًا مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى بَيانٍ ولَمّا كانَ المُرادُ إحْياءَ بَناتِ آدَمَ قالَ: ﴿ أبْكارًا﴾ أيْ نَجْعَلُهُنَّ أبْكارًا وإنْ مِتْنَ ثَيِّباتٍ، فَإنْ قِيلَ: فَما الفائِدَةُ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ ؟ نَقُولُ: الجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ الوَصْفَ بَعْدَها لا يَكُونُ مِن غَيْرِها إذا كُنَّ أزْواجَهم بَيِّنُ الفائِدَةِ؛ لِأنَّ البِكْرَ في الدُّنْيا لا تَكُونُ عارِفَةً بِلَذَّةِ الزَّوْجِ فَلا تَرْضى بِأنْ تَتَزَوَّجَ مِن رَجُلٍ لا تَعْرِفُهُ وتَخْتارُ التَّزْوِيجَ بِأقْرانِها ومَعارِفِها، لَكِنَّ أهْلَ الجَنَّةِ إذا لَمْ يَكُنَّ مِن جِنْسِ أبْناءِ آدَمَ وتَكُونُ الواحِدَةُ مِنهُنَّ بِكْرًا لَمْ تَرَ زَوْجًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ جِنْسِها فَرُبَّما يُتَوَهَّمُ مِنها سُوءُ عِشْرَةٍ فَقالَ: ﴿ أبْكارًا﴾ فَلا يُوجَدُ فِيهِنَّ ما يُوجَدُ في أبْكارِ الدُّنْيا.
الثّانِي: المُرادُ «أبْكارًا » بَكارَةً تُخالِفُ بَكارَةَ الدُّنْيا، فَإنَّ البَكارَةَ لا تَعُودُ إلّا عَلى بُعْدٍ.[مفاتيح الغيب(29//407)]
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - ﷺ -: هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ؟، قَالَ: « نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمًا دَحْمًا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ , فَإِذَا قَامَ عَنْهَا , رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا ». [الصحيحة(367)]
قوله: نصل إلى نسائنا: كناية عن الجِمَاع.
والدَّحْمُ: النكاح والوطء , ودَحَمَ المرأةَ , يَدْحَمُها دَحْماً: نكحها.[لسان العرب(12/196)].

أزواجٌ مُطَهَّـرة
قال الله تعالى -: ﴿ وبَشِّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار كلّما رُزِقوا منها مِن ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزِقنا مِن قبل وأُتُوا به مُتَشابهاً ولهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وهم فيها خالدون﴾
قال ابن القيّم - رحمه الله تعالى -:
فتأمّلْ جلالة المُبَشِّر ومنزلته وصدقه، وعظمة مَن أرسله إليك بهذه البشارة، وقدر ما بشّرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجِنان وما فيها مِن الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المُطَهَّرة، ونعيم القلب وقرّة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه. [حادي الأرواح(283)]
وقال الله تعالى -:﴿ زُيِّنَ للناس حبُّ الشَهَوات مِن النساءِ والبنينَ والقناطيرِ المقنطَرةِ مِن الذهب والفضّة والخيل المُسَوَّمة والأنعامِ والحَرْث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مُطَهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار﴾.
وقال الله تعالى -: ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وندخلهم ظلاً ظليلاً﴾.
فهذه بشارةٌ عظيمة بشّر الله تعالى بها عباده المؤمنين المتّقين فأزواجهم في الجنّة طاهرات مِن كلّ قذرٍ وخبث وآفة، سواء في ذلك ظاهرهنّ وباطنهنّ.
وقال الإمام ابن القيّم - رحمه الله تعالى -:
والمُطَهَّرة التي طُهِّرتْ مِن الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكلّ قذر وكلّ أذى يكون مِن نساء الدنيا فطُهِّر مع ذلك باطنها مِن الأخلاق السيّئة والصفات المذمومة وطُهِّر لسانها مِن الفحش والبذاء وطُهِّر طرفها مِن أن تطمح به إلى غير زوجها وطُهِّرتْ أثوابها مِن أن يعرض لها دنس أو وسخ. [حادي الأرواح(283-284)]
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى -:
وقال الله تعالى -: ﴿ لهم فيها أزواجٌ مطهّرة ﴾ أي مِن الحيض والنفاس والبول والغائط والبصاق والمخاط لا يصدر منهنّ شيءٌ مِن ذلك وكذلك طُهِّرتْ أخلاقهنّ وأنفاسهنّ وألفاظهنّ ولباسهنّ وسجيّتهنّ [النهاية في الفتن والملاحم(2/509)]
وإذا كان هذا وَصْف نساء الجنّة فيا أيّها العاقل اللبيب حيّ على الجنّة بالعمل الصالح، أُبذل جهدك في طاعة الله تعالى وطاعة الرسول ﷺ ، عسى أن تنجو مِن المرهوب، وتفوز بالمرغوب.
وتأمّل قوله تعالى -: ﴿ ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب﴾ لِيُرشد تعالى عباده إلى ثواب الآخرة ويرغّبهم فيه، ولِيَعلموا أنّ الآخرة خيرٌ وأبقى فيتّقوا الله.
قال الإمام ابن القيّم - رحمه الله تعالى – في[ عدّة الصابرين (169-170)] بعد أن ذكر قوله تعالى -: ﴿ زُيِّنَ للناس حبُّ الشهَوات﴾ الآية : فأخبر سبحانه أنّ هذا الذي زيّن به الدنيا مِن ملاذّها وشهواتها، وما هو غاية أماني طُلابها ومُؤثريها على الآخرة، وهو سبعة أشياء: النساء اللاتي هنّ أعظم زينتها وشهواتها وأعظمها فتنة والبنين الذين بهم كمال الرجل وفخره وكرمه وعزّه والذهب والفضّة اللذَين هما مادّة الشهوات على اختلاف أجناسها وأنواعها والخيل المُسَوَّمة التي هي عزّ أصحابها وفخرهم وحصونهم وآلة قهرهم لأعدائهم في طلبهم وهربهم والأنعام التي مِنها ركوبهم وطعامهم ولباسهم وأثاثهم وأمتعتهم وغير ذلك مِن مصالحه والحرث الذي هو مادّة قوتهم وقوت أنعامهم ودوابّهم وفاكهتهم وأدويتهم وغير ذلك.
ثمّ أخبر سبحانه أنّ ذلك كلّه متاع الحياة الدنيا ثمّ شوّق عباده إلى متاع الآخرة، وأعلَمَهم أنّه خيرٌ مِن هذا المتاع وأبقى فقال: ﴿ قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد﴾.
ثمّ ذكر سبحانه مَن يستحقّ هذا المتاع ومَن هم أهله الذين هم أولى به فقال: ﴿ الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار﴾
فأخبر سبحانه أنّ ما أعدّ لأوليائه المتّقين مِن متاع الآخرة خير مِن متاع الدنيا وهو نوعان: ثواب يتمتّعون به، وأكبر منه وهو رضوانه عليهم. [ مُشَوِّقُ الأَرْوَاح إِلَى نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح(4-5)]

متحببات لأزواجهن.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أنَّ رجلًا أسودَ أتى النبيَّ ﷺ فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي رجلٌ أسودُ منتنُ الريحِ قبيحُ الوجهِ لا مالَ لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟ قال: «في الجنة». فقاتَل حتى قُتِلَ. فأتاه النبيُّ فقال: «قد بيَّضَ اللهُ وجهَك، وطيَّبَ ريحَك، وأكثَرَ مالَك وقال لهذا أو لغيرِه فقد رأيتُ زوجتَه من الحُورِ العِينِ نازعَتْه جُبَّةً له من صوفٍ، تدخلُ بينه وبين جُبَّتِه ». [صحيح الترغيب (١٣٨١) صحيح]
الصِّدْقُ مع اللهِ مِن أعظَمِ أنواعِ الصِّدْقِ، وإخلاصُ النِّيَّةِ له في جَميعِ الأعمالِ يَكونُ فيه الخيرُ الكثيرُ، والثَّوابُ الجزيلُ مِنه سُبْحانهُ وَتَعالى.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ الله عنه: «أنَّ رَجُلًا أَتى النَّبيَّ ﷺ فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ اللَّوْنِ قَبيحُ الوَجْهِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ»، أي: هذه صِفاتي الخُلُقيَّةُ والجَسَديَّةُ، وهي صِفاتٌ مُسْتَقْبحَةٌ عندَ الناسِ، «لا مالَ لي»، أي: لا أَملِكُ مالًا يُغْنيني، والمالُ الزائدُ هو مَظِنَّةُ التَّرَفِ أو الإنْفاقُ في وُجوهِ الخَيْرِ، «فإنْ قاتلْتُ هؤلاءِ»، أي: الكُفارَ والمُشْرِكينَ «حتى أُقْتَلَ؛ أَدْخُلُ الجنَّةَ؟»، أي: إنْ قاتلْتُ بعدَ إسلامي مُحْتَسِبًا، فاسْتُشْهِدْتُ هل أَدْخُلُ الجنَّةَ؟ وهذا سُؤالُ مَنْ أرادَ أنْ يَسْتَوْثِقَ لنَفْسِهِ، فقال له النَّبيُّ ﷺ: «نَعَمْ»، أي: إنْ قاتلْتَ وقُتِلْتَ في سَبيلِ اللهِ مُحْتَسِبًا دَخَلْتَ الجنَّةَ، «فَتقَدَّمَ فقاتَلَ حتى قُتِلَ، فأَتى عليه النَّبيُّ ﷺ وهو مَقْتولٌ، فقال: لقد أَحْسَنَ اللهُ وَجْهَكَ، وطيَّب رُوحكَ، وكثَّر مالَكَ»، أي: أعْطاكَ هذه النِّعَمَ من جَمالِ الوَجْه، والرائحَةِ الطَّيِّبةِ، وكَثْرَةِ المالِ، جزاءً لك على الشَّهادةِ في سَبيلِهِ بصِدْقِ نِيَّةٍ؛ ولأنَّه صَدَقَ اللهَ فيما قال صادِقًا مُخلِصًا؛ فَصدَقَهُ اللهُ وأنْجَزَ له ما تَمنّاهُ من الاسْتِشْهادِ في سَبيلِه.
قال أنسٌ - رضِيَ الله عنه -: «وقال لهذا أو لغيْرِهِ»، أي: قال النبيُّ ﷺ وأخبَر عن حالِ هذا الرَّجلِ أو حالِ رجُلٍ غيرِه في الجَنَّةِ، والشكُّ مِن أنسِ بنِ مالكٍ راوي الحديثِ: «لقد رَأَيْتُ زَوْجتيْهِ من الحُورِ العِينِ» مِن نِساءِ الجنَّةِ «يَتَنازَعانِهِ» تَتَجاذبانِ «جُبَّتَهُ عنه» لخَلْعِها أو إزاحتِها عن بَعضِ جِلدِه وجَسَدِه، «تَدْخُلانِ فيما بين جِلْدِهِ وجُبَّتِهِ»، أي: تَتجاذَبُ المرأتانِ مِن الحُورِ العِينِ ثِيابَه فيما بينهما وتتسابقانِ في الدُّخولِ بين ثِيابِه وجِلدِه، تحبُّبًا وتقربًا إليه، كما تتحبَّبَ الزوجاتُ إلى أزواجهنَّ وتُداعِبْنَه، والجُبَّةُ هي نوْعٌ من الثِّيابِ التي تُغطِّي الجَسَدَ كُلَّهُ.
وفي الحديثِ: حِرْصُ الصَّحابةِ على كُلِّ ما يُقرِّبُ مِن اللهِ.

خَيْـراتٌ حِسـان.
قال الله تعالى -: ﴿ فيهنّ خَيْراتٌ حِسان﴾
فالخيرات جمع خَيْرة.وهي مخففة مِن خَيّرة.كسيّدة وليّنة.وحِسان جمع حسنة.فهنّ خيرات الصفات والأخلاق والشيم.حِسان الوجوه. [حادي الأرواح لابن القيّم (290-261)]
وقال ابن القيّم في [ روضة المحبّين (243)]:
وهي التي قد جمعتْ المَحاسن ظاهراً وباطناً، فكمل خَلْقها وخُلُقها.فهنّ خيرات الأخلاق حِسان الوجوه .
ومما يبيّن حُسْنهنّ ما ورد في البخاريّ[سيأتي تخريجه] مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال: لَرَوحةٌ في سبيل الله أو غَدوةٌ خيرٌ مِن الدنيا وما فيها.ولَقَابُ قوْسِ أحدكم مِن الجنّة أو موضع قِيدٍ يعني سَوْطَه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها. ولو أنّ امرأةً مِن أهل الجنّة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض لأضاءتْ ما بينهما ولَمَلأته ريحاً. ولَنَصِيْفها على رأسها خيرٌ مِن الدنيا وما فيها.
وقد ورد ما يدلّ على أنّ نساء الجنّة يزدادون حسناً وجمالاً، ففي صحيح مسلم ( 4/2178 ) عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «إنّ في الجنّة لَسُوْقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهبّ ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً ».[ مُشَوِّقُ الأَرْوَاح إِلَى نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح(6)]

كأَمْثـال اللؤلـؤ المَكْنـون
قال الله تعالى في وصفهنّ وبيان حُسْنِهنّ ﴿ وحورٌ عِينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون ﴾
أي: كأنّهنّ اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه.[ تفسير ابن كثير()4/287].
والمَكْنون هو المَصُون المستور في صَدَفه.
قال ابن القيّم – رحمه الله تعالى –:
في [روضة المحبّين(245)]:
فَخُذْ مِن اللؤلؤ صفاء لونه.وحُسْن بياضه.ونعومة مَلْمَسه. [ مُشَوِّقُ الأَرْوَاح إِلَى نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح(9)]

كأَنّهـنّ بَيْـضٌ مَكْنـون
قال الله تعالى -: ﴿ وعندهم قاصرات الطَّرْف عِيْن كأنّهنّ بَيضٌ مكنون﴾
شبّهَهُنّ الله تعالى بالبَيْض الذي يكنّه الريش مثل بيض النّعام الذي يحضنه الطائر ويستره بريشه مِن الريح والغبار.
وقيل في معنى « البَيْض المَكْنون » إنّه بَطْن البيض وهو الذي داخل القشر.فهذا قول ثان.
وقيل إنّه اللؤلؤ.وبه شُبِّهْنَ في بياضه وصفائه.وهذا قول ثالث.
والمختار هو القول الأوّل. ورجّحه الشوكاني في (فتح القدير). وهو اختيار الآلوسي في ( روح المعاني ).ولم يذكر الشنقيطي في ( أضواء البيان ) غيره. والله تعالى أعلم[ مُشَوِّقُ الأَرْوَاح إِلَى نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح(10)]

كأَنّهـنّ الياقـوتُ والمَرْجـان
قال الله تعالى في وَصْفِهنّ ﴿ كأنّهنّ الياقوت والمَرْجان ﴾
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى -:في [ حادي الأرواح(289)]:
قال الحسن وعامّة المفسّرين: أراد صفاء الياقوت في بَياض المَرْجان. شبّهَهُنّ في صفاء اللون وبياضه بالياقوت والمَرجان.
وقال ابن القيّم رحمه الله تعالى - في [روضة المحبّين(245)]:
وخُذْ مِن الياقوت والمرجان حُسْنَ لونه في صفائه وإشرابه بيسيرٍ مِن الحُمْرة.
عَنْ عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -« أولُ زُمرةٍ يدخلون الجنةَ كأنَّ وجوهَم ضوءُ القمرِ ليلةَ البدرِ، والزمرةُ الثانيةُ على لونِ أحسنَ كوكبٍ دُرِّيٍّ في السماءِ، لكلَّ واحد منهم زوجتان من الحُور العِينِ، على كل زوجةٍ سبعون حُلَّةً، يُرى مُخُّ ساقِها من وراءِ لحومِهما وحُلَلِهما؛ كما يُرى الشرابُ الأحمرُ في الزجاجةِ البيضاءِ. [صحيح الترغيب (٣٧٤٥) صحيح لغيره]
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - : « ِإنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ، ثُمَّ تَأْتِيهِ الْمَرْأَةُ ، فَتَقْرُبُ مِنْهُ ، فَيَنْظُرُ فِي خَدَّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَيَرُدُّ السَّلاَمَ ، وَيَسْأَلُهَا مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ الْمَزِيدِ ، وَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا ، فَيَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ، وَإِنَّ عَلَيْهِنَّ التِّيجَانَ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ». [صحيح ابن حبان (٧٣٩٧)].

يُغَنِّيـنَ أزواجهـنّ بِأَحْسَـن أَصـوَات
وقد أخبرنا الرسول - ﷺ - أن الحور العين في الجنان يغنين بأصوات جميلة عذبة.
وَحَدِيثُهَا السِّحْرُ الْحَلالُ لَوْ أَنَّهُ ... لَمْ يَجْنِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ الْمُتَحَرِّزِ
إِنْ طَالَ لَمْ يُمْلَلْ وَإِنْ هِيَ حَدَّثَتْ ... وَدَّ الْمُحَدَّثُ أَنَّهَا لَمْ تُوجِزِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرًا طُولَ الْجَنَّةِ , حَافَّتَاهُ الْعَذَارَى , قِيَامٌ مُتَقَابِلَاتٌ , وَيُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلَائِقُ, حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا » , قُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ , مَا ذَاكَ الْغِنَاءُ؟ , قَالَ: « إِنْ شَاءَ اللهُ التَّسْبِيحُ , وَالتَّحْمِيدُ , وَالتَّقْدِيسُ , وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ - عز وجل - ». [صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب(3751)]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ « إنّ أزواج أهل الجنّة لَيُغَنِّينَ أزواجهنّ بِأحسن أصواتٍ سمعها أحَدٌ قطّ.إنّ مما يُغَنِّينَ به: نحن الخَيرات الحِسان.أزواج قومٍ كِرَام.يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أعْيان.وإنّ مما يُغَنِّينَ به: نحن الخالدات فلا يَمُتْنه.نحن الآمِنات فلا يَخَفْنَه.نحن المُقيمات فلا يَظْعَنَّه ». [الصحيحة (3002)]
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « إِنَّ الحُورَ في الجنةِ يُغَنِّينَ يَقُلْنَ: نحنُ الحُورُ الحِسانُ، هُدِينا لِأَزْواجٍ كَرامٍ » . [صحيح الترغيب (٣٧٥٠)]
أعَدَّ اللهُ عزَّ وجلَّ لعِبادِه الصّالِحيَن في الجَنَّةِ ما لا عَينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خطَرَ على قَلبِ بَشَرٍ؛ ففيها النَّعيمُ الذي لا يَنقطِعُ، ومن هذه النِّعَمِ ما وَرَدَ في هذا الحديثِ، حيث يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «إنَّ الحُورَ العِينَ» والحُورُ العِينُ هُنَّ نِساءُ أهلِ الجَنَّةِ، والحُورُ جَمعُ حَوراءَ، وهي: الشَّديدةُ بَياضِ العَينِ، الشَّديدةُ سَوادِها، والعَينُ جَمعُ عَيناءَ، وهي الواسعةُ العَينِ؛ فهذه النِّساءُ الجميلةُ «لَتُغنِّينَ في الجَنَّةِ»، أي: تَنشُدْنَ الأغانيَ في الجَنَّةِ، فتقولُ«: نحن الحُورُ الحِسانُ .. خُبِئْنا لِأزَواجٍ كِرامٍ » ، أي: خَلَقَنا اللهُ عزَّ وجلَّ لأهلِ الطّاعةِ في الدُّنيا الذين عاشوا على طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وخرَّج البَيهَقيُّ في البَعثِ والنُّشورِ عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: «إنَّ في الجَنَّةِ نَهَرًا طُولَ الجَنَّةِ، حافَّتاهُ العَذارى قِيامٌ مُتقابِلاتٌ، ويُغنِّينَ بأحسَنِ أصواتٍ يَسمَعُها الخَلائِقُ، حتى ما يَرَونَ أنَّ في الجَنَّةِ لَذَّةً مِثلَها، قُلنا: يا أبا هُرَيرَةَ، وما ذلك الغِناءُ؟ قال: «إنْ شاءَ اللهُ التَّسبيحُ، والتَّحميدُ، والتَّقديسُ، وثَناءٌ على الرَّبِّ عزَّ وجلَّ».
وفي الحديثِ: بيانُ النَّعيمِ الذي أعدَّه اللهُ للمُتَّقينَ في الجَنَّةِ؛ لحَثِّ النّاسِ على العَمَلِ الصالِحِ؛ للفَوزِ بنَعيمِ اللهِ وجَنَّتِه
ما ظن سامعه بصوت أطيب .... الأصوات من حور الجنان حسان
نحن النواعم والخوالد خيرا .... ت كاملات الحسن والإحسان
لسنا نموت ولا نخاف وما لنا .... سخط ولا ضغن من الأضغان
طوبى لمن كن له وكذاك طو .... بى للذي هو حظنا لفظان

لا يموتن أبدا.
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -:
والجنة والنار مخلوقتان اليوم لا تفنيان أبدا، ولا تموت الحور العين أبدا، ولا يفنى عقاب الله وثوابه سرمدا. [الفقه الأكبر(305)]
قوة جمالها وطيب ريحها وحسن منظرها وطيب تبعلها.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: « لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ , لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَطَابَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ». [البخاري(6199)].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى -:
والمُخّ ـ بضمّ الميم وتشديد المعجمة ـ: ما في داخل العظم.والمراد به وصفها بالصفاء البالغ.وأنّ ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد. [فتح الباري (6/401)].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - ﷺ - قال: « لِلرَّجُل مِن أهل الجنّة زوجتان مِن الحُوْر العِيْن على كلّ واحدةٍ سبعون حُلَّة يرى مُخّ ساقها مِن وراء الثياب » .[أحمد (2/345) وإسناده صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «ما في الجنّة أحَدٌ إلا لَهُ زوجتان.إنّه ليرى مخّ ساقهما مِن وراء سبعين حُلَّة ما فيها مِن عزب ». [السنن(931)وإسناد صحيح]
فَلَوْ أَنَّ حُورًا فِي الدَّيَاجِي تَبَسَّمَتْ ... تَجَلَّى دُجَى الظَّلْمَاءِ فِي الأَرْضِ نُورُهَا
وَلَوْ مُزِجَ الْمَاءُ الأُجَاجُ بِرِيقِهَا .... لأَصْبَحَ عَذْبًا سَلْسَبِيلاً بِحُورُهَا.

يلبسن أجمل الملابس.
يَا عَاشِقًا لِلْغَوَانِي مُغْرَمًا بِهَوَى ...دَارِ الْغُرُورِ وَعَيْشٍ شِيبَ بِالْكَدَرِ
إِنَّ الْغَوَانِي الْحِسَانَ الْحُورَ مَسْكَنُهَا ... دَارُ السُّرُورِ عَلَى فُرشٍ عَلَى السُّرُرِ
فِي سُنْدُس الْفُرْشِ أَقْمَارٌ عَلَى سُرُرٍ ... مِن الْيَواقِيتِ فِي قَصْرٍ مِن الدُّرَرِ
يُشَاهِدُ الْمُخَّ فِي السَّاقَينِ نَاظِرُهَا ... مِنْ فَوْقِ سَبْعِينَ مَلْبُوسًا مِن الْحِبَرِ
قَدْ طِلْنَّ شَوْقًا إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ كَمَا ... يَشْتَاقُ لِلْغَائِبِ الْمَحْبُوبِ فِي السَّفَرِ
1- خمارها.
عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِي، فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ لَهَا: «هَبِلْتِ، أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى» , وَقَالَ: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا , وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا , وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِي الخِمَارَ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [البخاري(6567)]
قال الإمام ابن الأمير الصنعاني - رحمه الله تعالى -:
قوله: «ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة » إلى الأرض كأنه ضمن اطلع معنى نظر أي اطلعت ناظرة إلى الأرض ويحتمل أنه يتعدى اطلع بإلى اطلع إلى إله موسى ولعلي أطلع عليه. «لملأت ما بينهما » أي بين السماء والأرض وإن لم يتقدم ذكر للسماء إلا أنه يعرف بذكر مقابلتها أعني الأرض أو ما بين الجنة والأرض «ريحاً » عرفاً طيباً. «ولأضاءت » أنوار جمالها ما بينهما «ولنصيفها » بفتح النون وكسر المهملة فمثناة تحتية ففاء الخمار على رأسها «خير من الدنيا وما فيها » أخبر عن طيب ريحها ثم عن أنوار جمالها ثم عن ظاهر ملبوسها فكيف بجمالها وباطن ملبوسها اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل. [التنوير شرح الجامع الصغير(9/65)]
قوله: «ولَنَصيفُها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها » ، قال في «الصحاح«: (النَّصيف): الخِمَار، قال النابغة:
سَقَطَ النَّصيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَه ... فَتَنَاوَلَتْه واتَّقتْنا باليدِ
أي: أمسكته بيدها. [المفاتيح شرح المصابيح(6/6)]
هذا النصيف خير من الدنيا وما فيها فكيف بصاحبة النصيف وجمالها وطيب ريحها وحلاوة مذاقها بل فكيف بالجنة والله أنه لا يتغافل بالدنيا عن الجنة إلا محروم نسأل الله من فضله.
2- الحلل
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ على صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، والذينَ على إثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إضاءَةً، قُلُوبُهُمْ على قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ، لا اخْتِلافَ بيْنَهُمْ ولا تَباغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ منهمْ زَوْجَتانِ، كُلُّ واحِدَةٍ منهما يُرى مُخُّ ساقِها مِن وراءِ لَحْمِها مِنَ الحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وعَشِيًّا، لا يَسْقَمُونَ، ولا يَمْتَخِطُونَ، ولا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشاطُهُمُ الذَّهَبُ، ووَقُودُ مَجامِرِهِمُ الألُوَّةُ - قالَ أَبُو اليَمانِ: يَعْنِي العُودَ -، ورَشْحُهُمُ المِسْكُ ». [البخاري (٣٢٤٦)]
يَصِفُ النَّبيُّ ﷺ أهلَ الجنَّةِ جميعًا بالحُسنِ والجمال، وأنَّهم يَتفاوَتونَ في ذلك حسَبَ درجاتِهم وأعمالهم؛ فأوَّلُ طائفةٍ تدخُلُ الجنَّةَ كالقمرِ ليلةَ البدر، وهي ليلةُ الرّابعَ عشرَ حين تكمُل استدارتُه، ويَتِمُّ نورُه، فيكون أكثرَ إشراقًا، وأعظَمَ حُسنًا وبهاءً. أمّا الطّائفةُ الثّانية، فإنَّها تُشبِهُ في صورتِها أقْوى الكواكبِ نورًا وضياءً. أمّا صِفاتُهم النَّفسيَّة والخُلقيَّةُ، فهم كما وصَفَهم ﷺ: على قَلْبِ رجُلٍ واحد، أي: في غايةِ الاجتماعِ والاتِّفاق، حتّى كأنَّ قلوبَهم جميعًا قلبٌ واحد، لا اختِلافَ بينهم ولا تباغُضَ، أي: إنَّ نفوسَهم صافيةٌ نقيَّة خاليةٌ مِن العداوة والبَغضاء، عامرةٌ بالحبِّ والمودَّة. لكلِّ امرئٍ منهم زوجتانِ، أي: لكلِّ واحدٍ منهم زَوجتانِ، يُرى مُخُّ ساقِها مِن وراءِ اللَّحمِ مِن الحُسن؛ فهي - لِصفاء جسدِها، ورقَّة بَشَرَتِها- جِسمٌ شفّاف ِيَكشِفُ عمّا بداخِلِه، فيَرى النّاظرُ إليها مُخَّ عظامِ ساقِها مِن وراءِ لحمِها. يُسبِّحونَ اللهَ بُكرةً وعشيًّا، أي: في أوَّل النَّهار وآخِرِه، والمراد أنَّهم يُسبِّحونَ في وقتهما، وإلّا فلا بُكرةَ ثمَّةَ ولا عشيَّةَ. أمّا هذا التَّسبيحُ، فإنَّه ليس عن تكليف؛ وإنَّما يُلهَمونَه كما يُلهَمونَ النَّفَسَ. لا يَسقَمونَ، أي: لا يَمرَضونَ فيها، ولا يَمْتخِطونَ ولا يَبصُقونَ؛ لأنَّ اللهَ طهَّرَ أهلَ الجنَّةِ مِن هذه الأقذارِ، آنيتُهم الذَّهبُ والفِضَّة، أي: بعضُ أوانيهم فضِّيَّةٌ، وبعضُها ذهبيَّةٌ، وأمشاطُهم الذَّهبُ، أي: مِن الذَّهب الخالِص، وَقُودُ مَجامِرِهم الأَلُوَّةُ؛ يعني أنَّ بَخُورَهم الذي تتَّقدُ به مجامرُهم هو العُودُ الهنديُّ، الذي هو مِن أطيبِ الطِّيبِ وأَزكى البَخور.

3- حلة لا تقوم لها الدنيا.
عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: أن رسول الله ﷺ قال: «أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأحسن كوكب دري في السماء، لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقها من رواء لحومهما وحللهما كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء». [صحيح الترغيب (٣٧٤٥)]

كيفية جماع الحور العين.
قال الله تعالى -: ﴿ إِنَّ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡیَوۡمَ فِی شُغُل فَـٰكِهُونَ﴾
قال العلامة صديق حسن خان رحمه الله تعالى -:
قوله تعالى -: ﴿ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل ﴾ لما هم فيه من اللذات التي هي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، عن الاهتمام بأمر الكفار ومصيرهم إلى النار، وإن كانوا من قراباتهم، والأولى عدم تخصيص الشغل بشيء معين والشغل هو الشأن الذي يصد المرء ويشغله عما سواه من شؤونه، لكونه أهم عنده من الكل، إما لإيجابه كمال المسرة والبهجة، أو كمال المساءة والغم، والمراد هنا هو الأول وما فيه من التنكير والإبهام للإيذان بارتفاعه عن رتبة البيان.
وقال قتادة ومجاهد: شغلهم ذلك اليوم بافتضاض العذارى وبه قال ابن عباس وابن مسعود وعكرمة، وعن ابن عمر: « أن المؤمن كلما أراد زوجة وجدها عذراء « وقد روي نحوه مرفوعاً. وعن ابن عباس أيضاًً قال في ضرب الأوتار، وقال أبو حاتم: هذا لعله خطأ من المستمع، وإنما هو افتضاض الأبكار على شط الأنهار تحت الأشجار.
وقال وكيع: شغلهم بالسماع، وقال ابن كيسان بزيارة بعضهم بعضاً، وقيل: شغلهم كونهم ذلك اليوم في ضيافة الله الجبار، وقيل: شغلهم عما فيه أهل النار على الإطلاق أو عن أهاليهم في النار، لا يهمهم أمرهم، ولا يبالون بهم كيلا يدخل عليهم تنغيص في نعيمهم، والمراد به ما هم فيه من فنون الملاذ التي تلهيهم عما عداها بالكلية.
وأما أن المراد به افتضاض الأبكار أو السماع أو ضرب الأوتار أو التزاور أو ضيافة الجبار كما روي كل واحد منها عن واحد من أكابر السلف فليس مرادهم بذلك حصر شغلهم فيما ذكروه فقط، بل بيان أنه من جملة أشغالهم وتخصيص كل منهم من تلك الأمور بالذكر محمول على اقتضاء مقام البيان إياه. قرىء: شغل بضمتين وبضم الشين وسكون الغين وهما لغتان كما قال الفراء، وقرىء: بفتحتين وبفتح الشين وسكون الغين.
﴿ فاكهون﴾ وقرىء فاكهين وفكهون قال الفراء: هما لغتان كالفارة والفرة والحاذر والحذر، وقال الكسائي وأبو عبيدة: الفاكه والفاكهة مثل تامر، ولابن، والفكه والمتفكه المتنعم.
وقال قتادة: الفكهون المعجبون، وقال أبو زيد: يقال: رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكاً، وقال مجاهد والضحاك كما قال قتادة، وقال السدي كما قال الكسائي، وقال ابن عباس: فاكهون فرحون. وقيل: ناعمون متلذذون في النعمة من الفكاهة وهي التمتع والتلذذ مأخوذ من الفاكهة وفسرها زاده بطيب العيش والنشاط. [فتح البيان(11/308)]

أولاً: الرجل يعطى قوة عجيبة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: « يُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجِمَاعِ » ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَيُطِيقُ ذَلِكَ؟ , قَالَ: « يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ ». [المشكاة(5636) صحيح].

ثانياً: يكون ذلك بعنف وقوة للذته وطيبه.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - ﷺ -: هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ ؟، قَالَ: « نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمًا دَحْمًا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ , فَإِذَا قَامَ عَنْهَا , رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا » [الصحيحة(3351)]

ثالثاً: لذة الجماع متصلة ليس فيها ملل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سُئِل رسولُ اللهِ ﷺ هل يمَسُّ أهلُ الجنةِ أزواجَهم قال فقال نعم « بذَكَرٍ لا يَمَلُّ وفرجٌ لا يحْفى وشهوةٌ لا تنقطِعُ ». [السلسلة الصحيحة (1٧/106)]

رابعاً: تكون بكراً وترجع بكراً.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - ﷺ -: هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ ؟، قَالَ: « نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمًا دَحْمًا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ , فَإِذَا قَامَ عَنْهَا , رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا». [الصحيحة(3351)]

خامساً: كثرة الجماع.
قال الفخر الرازي رحمه الله تعالى -:
وقَوْلُهُ: ﴿ فِي شُغُلٍ﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
أحَدُها: في شُغُلٍ عَنْ هَوْلِ اليَوْمِ بِأخْذِ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنَ الثَّوابِ، فَما عِنْدَهم خَبَرٌ مِن عَذابٍ ولا حِسابٍ، وقَوْلُهُ: ﴿ فاكِهُونَ﴾ يَكُونُ مُتَمِّمًا لِبَيانِ سَلامَتِهِمْ فاللَّهُ لَوْ قالَ: {في شُغُلٍ} جازَ أنْ يُقالَ هم في {شُغُلٍ} عَظِيمٍ مِنَ التَّفَكُّرِ في اليَوْمِ وأهْوالِهِ، فَإنَّ مَن يُصِيبُهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ ثُمَّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ أمْرٌ مِن أُمُورِهِ ويُخْبَرُ بِخُسْرانٍ وقَعَ في مالِهِ، يَقُولُ أنا مَشْغُولٌ عَنْ هَذا بِأهَمَّ مِنهُ، فَقالَ: ﴿ فاكِهُونَ﴾ أيْ شُغِلُوا عَنْهُ بِاللَّذَّةِ والسُّرُورِ لا بِالوَيْلِ والثُّبُورِ.
وثانِيها: أنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيانًا لِحالِهِمْ ولا يُرِيدُ أنَّهم شُغِلُوا عَنْ شَيْءٍ بَلْ يَكُونُ مَعْناهُ هم في عَمَلٍ، ثُمَّ بَيَّنَ عَمَلَهم بِأنَّهُ لَيْسَ بِشاقٍّ، بَلْ هو مُلِذٌّ مَحْبُوبٌ.
وثالِثُها: في شُغُلٍ عَمّا تَوَقَّعُوهُ فَإنَّهم تَصَوَّرُوا في الدُّنْيا أُمُورًا، وقالُوا: نَحْنُ إذا دَخَلْنا الجَنَّةَ لا نَطْلُبُ إلّا كَذا وكَذا، فَرَأوْا ما لَمْ يَخْطُرْ بِبالِهِمْ فاشْتَغَلُوا بِهِ.[مفاتيح الغيب(26/294)]
وقال: وفِيهِ لَطِيفَةٌ أيْضًا، وهي أنَّ حالَ المُكَلَّفِ، إمّا أنْ يَكُونَ اخْتِلالُها بِسَبَبِ ما فِيهِ مِنَ الشُّغُلِ، وإنْ كانَ في مَكانٍ عالٍ كالقاعِدِ في حَرِّ الشَّمْسِ في البُسْتانِ المُتَنَزَّهِ، أوْ يَكُونَ بِسَبَبِ المَكانِ، وإنْ كانَ الشُّغُلُ مَطْلُوبًا كَمُلاعَبَةِ الكَواعِبِ في المَكانِ المَكْشُوفِ، وإمّا أنْ يَكُونَ بِسَبَبِ المَأْكَلِ كالمُتَفَرِّجِ في البُسْتانِ إذا أعْوَزَهُ الطَّعامُ، وإمّا بِسَبَبِ فَقْدِ الحَبِيبِ، وإلى هَذا يُشِيرُ أهْلُ القَلْبِ في شَرائِطِ السَّماعِ بِقَوْلِهِمُ: الزَّمانُ والمَكانُ والإخْوانُ فَقالَ تعالى -: ﴿ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ﴾ إشارَةً إلى أنَّهم لَيْسُوا في تَعَبٍ وقالَ: ﴿ هم وأزْواجُهُمْ﴾ إشارَةً إلى عَدَمِ الوَحْدَةِ المُوحِشَةِ وقالَ: ﴿ فِي ظِلالٍ عَلى الأرائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ إشارَةً إلى المَكانِ وقالَ: ﴿ لَهم فِيها فاكِهَةٌ ولَهم ما يَدَّعُونَ﴾ إشارَةً إلى دَفْعِ جَمِيعِ حَوائِجِهِمْ[المصدر السابق]
قال المباركفوري - رحمه الله تعالى -:
قَالَ فِي اللَّمَعَاتِ : أَيْ قُوَّةَ جِمَاعِ كَذَا وَكَذَا مِنْ النِّسَاءِ ، فَكَذَا وَكَذَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَدِ النِّسَاءِ كَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ مَثَلًا فَافْهَمْ اِنْتَهَى . وَقِيلَ كِنَايَةٌ عَنْ مَرَّاتِ الْجِمَاعِ كَعِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ مِائَةً وَنَحْوِهَا
قوله: ( أَوَيُطِيقُ ذَلِكَ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ يُعْطَى تِلْكَ الْقُوَّةَ وَيَسْتَطِيعُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْجِمَاعِ ( يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ ) أَيْ مِائَةِ رَجُلٍ . وَالْمَعْنَى فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ يُطِيقُ ذَلِكَ .[تحفة الأحوذي(6/327)]
قلت: التبادر لمعنى الآية ولما ذكره الفخر أن الشغل والانشغال بالنعم الكثيرة من صفات أهل الجنة وأنهم في شغل والذي لفت أنتباهي المعنى العظيم لهذه الآية الكريمة فقد بينت بعض أحوال أهل الجنة أنهم في ضلال خارج القصور والخيام تحت الأشجار الجميلة مع الأزواج في جلسة جميلة سعية منشغلون بالخير الذي وهبه الله لهم مع سائر المطاعم والمشارب الذي يتخلل ذلك الجماع على تلك الحالة الجميلة والجلسة المؤنسة فلا إله إلا الله نسأل الله من فضله.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « يُعْطى المؤمنُ في الجنةِ قُوَّةَ مِائةٍ في النساءِ ». [صحيح الجامع (٨١٠٦) صحيح]

المبحث الثاني: أسباب نيل الحور العين:
1- الشهادة في سبيل الله.
عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « للشهيدِ عندَ اللهِ سبعُ خِصالٍ: يُغفَرُ لهُ في أوَّلِ دُفعةٍ من دَمِه، ويُرى مَقعدَهُ من الجنةِ، ويُحلّى حُلَّةَ الإيمانِ، ويُزوَّجُ اثنينِ وسبعينَ زوجةً من الحُورِ العينِ، ويُجارُ من عذابِ القبرِ، ويأمَنُ الفزعَ الأكبرَ، ويُوضَعُ على رأسِه تاجُ الوقارِ، الياقُوتةُ مِنهُ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُشفَّعُ في سبعينَ إنْسانًا من أهلِ بيتِهِ ». [صحيح الجامع (٥١٨٢) وصححه الإمام الوادعي في كتاب الشفاعة (148)]
وكان عَمّارَ بنَ ياسرٍ بصِفِّينَ باليَومِ الَّذي قُتِلَ فيه وهو يُنادي: أُزلِفَتِ الجَنَّةُ، وزُوِّجَتِ الحُورُ العِينُ، اليَومَ نَلْقى حبيبَنا محمَّدًا ﷺ. وفي روايةٍ: نَلقى الأَحِبَّه، محمَّدًا وحِزْبَه. عَهِدَ إليَّ أنَّ آخِرَ زادِكَ مِنَ الدُّنيا ضَيْحٌ مِن لَبَنٍ . [السلسلة الصحيحة (٧/ ٦٦٢)].
عن يزيدِ بنِ شجَرةَ قال: « يا أيها الناسُ ! اذكُروا نعمةَ اللهِ عليكم، ما أحسنَ نعمةَ اللهِ عليكم، ترى من بين أخضرَ وأحمرَ وأصفرَ وفي الرِّحالِ، ما فيها. وكان يقولُ: إذا صَفّ الناسُ للصلاةِ، وصُفُّوا للقتالِ، فُتِحَتْ أبوابُ السماءِ وأبوابِ الجنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النّارِ، وزُيِّنَ الحورُ العينُ واطَّلَعْنَ، فإذا أقبلَ الرجُلُ قلنَ: اللهمَّ انصُرْه، وإذا أدْبَر احتجَبْن منه وقلنَ اللهمَّ: اغفِرْ له، فأَنهَكوا وجوهَ القومِ فداءً لكم أبي وأمي، ولا تُخزوا الحورَ العِينَ فإنَّ أولَ قطرةٍ تنضَحُ من دمِه يُكفَّرُ عنه كلُّ شيءٍ عمِلَه، وتنزلُ إليه زوجتانِ من الحورِ العِينِ يمسحانِ التُّرابَ عن وجهِه، ويقولان: قد آنَ لك، ويقول: قد آن لكما. ثم يُكسى مئةَ حُلَّةٍ، ليس من نسيجِ بني آدمَ، ولكن من نبْتِ الجنَّةِ، لو وُضِعْنَ بين إصبِعَينِ لوَسِعْنَ. وكان يقول: نُبِّئتُ أنَّ السيوفَ مفاتيحُ الجنَّةِ ». [صحيح الترغيب (١٣٧٧) صحيح]
2- كتم الغيظ.
عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: « مَنْ كتَمَ غيظًا، وهو قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَهُ، دعاه اللهُ على رؤوسِ الخلائِقِ، حتّى يخيِّرَهُ مِنَ الحورِ العينِ يُزَوِّجُهُ منها ما يشاءُ ». [صحيح الجامع (٦٥١٨) صحيح].
أثْنى الله تعالى على الكاظِمينَ الغيظَ والعافِين عِن النّاسِ، وأحبَّهم بإحسانِهم، وفي هذا الحَديثِ يُبيِّن النَّبيُّ ﷺ فضْلَ مَن يكْظِم غيظَه فيقول: «مَن كظَم غيظًا » أيْ: احتملَ الغضبَ في نفسِه وأمسَك عليه ولَم يُخرِجْه، « وهُو قادِرٌ على أن يُنْفِذه » أيْ: وهو قادِرٌ على أن يَنتَصِر لنفسِه، وإمضاءِ غضبِه، « دعاه الله عزَّ وجلَّ على رُؤوس الخَلائِق يومَ القيامةِ » أيْ: تباهى اللهُ به يومَ القيامةِ، وشهَرَه بيْن النّاسِ بأنَّه صاحِبُ هذه الخَصْلَةِ العظيمةِ؛ وذلك لأنَّه قهَر النفسَ الأمّارةَ بالسُّوءِ، وتغلَّب عليها، وتجرَّع مرارَةَ الصَّبرِ في ذاتِ الله، «حتّى يُخَيِّرَه الله مِن الحُورِ ما شاءَ » أي: حتّى يُدْخِلَه الجَنَّة، ويَأخُذَ ما أَعْجبَه مِن نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ، وفي هذا مِن الرِّفْعة والمَكانَة ما لا يعلمُه إلا اللهُ.
الملحق
المسألة الأولى: زوجة المؤمن في الدنيا زوجته في الآخرة إذا كانت مؤمنة.
إذا دخل المؤمن الجنة، فإن كانت زوجته صالحة، فإنها تكون زوجته في الجنة أيضاً: ﴿ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ءابائهم وأزواجهم وذرياتهم﴾ ، وهم في الجنات منعمون مع الأزواج، يتكئون في ظلال الجنة مسرورين فرحين ﴿ هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون﴾، ﴿ أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون﴾ .

المسألة الثانية: المرأة لآخر أزواجها
عن أبي الدرداء – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: « المرأة في آخر أزواجها، أو قال: لآخر أزواجها » [السلسلة الصحيحة(١٢٨١) صحيح الجامع (٦٦٩١)]
وعن حذيفة قال لزوجته: « إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة، فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا » [ قال شعيب الأرناؤوط في تخريج سير أعلام النبلاء (٢/ ٢٠٨) رجاله ثقات].
فلذلك حرم الله على أزواج النبي - ﷺ - أن ينكحن من بعده، لأنهن أزواجه في الآخرة.
والمرأة لا تخرج عن هذه الحالات في الدنيا فهي:
1 - إما أن تموت قبل أن تتزوج.
2 - وإما أن تموت بعد طلاقها قبل أن تتزوج من آخر.
3 - وإما أن تكون متزوجة ولكن لا يدخل زوجها معها الجنة - والعياذ بالله -
4 - وإما أن تموت بعد زواجها.
5 - وإما أن يموت زوجها وتبقى بعده بلا زوج حتى تموت.
6 - وإما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره.
هذه حالات المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة:
1 - فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج فهذه يزوجها الله - عزوجل - في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله ﷺ: «ما في الجنة أعزب » – [ مسلم(2834)] –
قال الشيخ ابن عثيمين: إذا لم تتزوج - أي المرأة - في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة .. فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم: الزواج.
2 - ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة.
3 - ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة.
قال الشيخ ابن عثيمين: فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال.
أي فيتزوجها أحدهم.
4 - وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي - في الجنة - لزوجها الذي ماتت عنه.
5 - وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة.
6 - وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون لآخر أزواجها مهما كثروا لقوله ﷺ: المرأة لآخر أزواجها.

المسألة الثالثة: ورد في الدعاء للجنازة أننا نقول «وأبدلها زوجا خيرا من زوجها» فإذا كانت متزوجة .. فكيف ندعوا لها بهذا ونحن نعلم أن زوجها في الدنيا هو زوجها في الجنة وإذا كانت لم تتزوج فأين زوجها؟
والجواب:
إن كانت غير متزوجة فالمراد خيرا من زوجها المقدر لها لو بقيت وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيرا من زوجها أي خيرا منه في الصفات في الدنيا لأن التبديل يكون بتبديل الأعيان كما لو بعت شاة ببعير مثلا ويكون بتبديل الأوصاف كما لو قلت بدل الله كفر هذا الرجل بإيمان وكما في قوله تعالى -: ﴿ ويوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات﴾ والأرض هي الأرض ولكنها مدت والسماء هي السماء لكنها انشقت.

المسألة الرابعة: أفضل نساء أهل الجنة.
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال: رسول الله - ﷺ -: «أفضلُ نِساءِ أهْلِ الجَنّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وفاطِمَةُ بِنْتُ محمَّدٍ ومَرْيمُ بِنْتُ عِمْرانَ وآسِيَةُ بِنْتُ مُزاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ». [صحيح الجامع(1135)]
قال العلامة المناوي رحمه الله تعالى -:
قوله: «أفضل نساء أهل الجنة » ذكر بأن هؤلاء الأربع أفضل حتى من الحور العين ولو قال النساء لتوهم أن المراد نساء الدنيا فقط «خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ﷺ » ، «ومريم بنت عمران » الصديقة بنص القرآن «وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون » والثانية والثالثة أفضل من الأولى والرابعة والأولى أفضل من الأخيرة وفي الثانية والثالثة خلاف مشهور فرجح البعض تفضيل فاطمة لما فيها من البضعة الشريفة وبعضهم مريم لما قيل بنبوتها ولأنه تعالى ذكرها مع الأنبياء في القرآن
قال القرطبي: ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة عليها ويؤيده أنها صديقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي من الله بالتكليف والأخبار والبشارة وغيرها كما بلغت جميع الأنبياء قال فهي نبية خلافا لبعضهم وحينئذ فهي أفضل من فاطمة لأن النبي أفضل من الولي.
قال ابن حجر في الفتح هذا نص صريح في تفضيل خديجة على عائشة لا يحتمل التأويل.
وسئل السبكي هل قال أحد إن أحدا من نساء النبي ﷺ غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال قال به من لا يعتد بقوله وهو ابن حزم فضل نساءه على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة قال وهو قول ساقط مردود قال ونساؤه بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل. [فتح القدير(2/53)]
قلت: لا شك أن هؤلاء الأربع أفضل نساء أهل الجنة بدليل الحديث على اختلاف أيهن أفضل وليس بصحيح أن مريم عليها السلام بنبيه فلا نبوة في النساء ولا نبوة لكل من نزل عليه جبريل وكلمه لأنه إنما بشرها بالولد لاغير ولم يوحي إليها بشرع أو دين أو أمرت بتبليغ حكم شرعي وعليه لا يصح حمل هذا على النبوة والله تعالى أعلم.
وقد أوحى الله إلى إبراهيم وامرأته معه وبشرته الملائكة وامرأته قائمة فضحكة وهل هذا يقتضي رسالتها والبشارة لهما جميعا وجملة هذا القول وتفصيله وهو نبوة مريم مردود بأدلة أقوى وأصرح من دليل من استدل برسالتها.



المسألة الخامسة: لماذا لم يكن أهل الجنة مختونين.
أخرج [البخاري(٦٥٢٦)] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: «إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً يوم القيامة » والأغرل: هو الأقلف التي لم تُقطع غُرلته أو قلفته أو جلدته.
وعندهما برواية أخرى: «يا أيها الناس! إنكم تُحشرون إلى الله حفاة عراة غُرلاً: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ » وذكر الحديث. وعند مسلم من حديث عائشة(٦٥٢٧) بنحوه.
قال النووي رحمه الله تعالى -:
الغرل -بضم الغين وإسكان الراء- معناه: غير مختونين، جمع أغرل، وهو الذي لم يُختن وبقيت معه غرلته وهي قلفته، وهي الجلدة التي لم تُقطع في الختان.
والمقصود: أنهم يُحشرون كما خُلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء، أي: أنه ليس لهم زيادة ولا نقصان، حتى الغرلة تكون معه. [شرح مسلم(17/193)]
إنما شُرع الختان في الدنيا لتكميل الطهارة والتنزّه من البول، وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون.
إذاً: هناك ضرورة في الدنيا ليست في الآخرة.
إذاً: قطعت القلفة للضرورة فضلاً عن ورود النص؛ ولعدم احتباس البول والمني في القلفة وفي فرج المرأة، فليس هناك نجاسة تُصيب الغرلة فيحتاج إلى التحرج منها، كما أن القلفة لا تمنع لذة الجماع، هذا إن قُدّر استمرارهم على الحالة التي هم عليها، فلا يبعد أن يتغير داخل الجنة على غير هذه الهيئة التي نعلمها، والعلم عند الله تبارك وتعالى.

المسألة السادسة: يُعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل
عن أنس – رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - قال: « يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا من الجماع ». قيل: يا رسول الله، أو يطيق ذلك؟ قال: « يعطى قوة مائة رجل » [صحيح الترمذي (٢٥٣٦)]
الدُّنيا بما فيها عرَضٌ زائلٌ، والنَّعيمُ الكاملُ والدائمُ في الآخِرَةِ؛ فاللهُ سُبحانَه يُجزِلُ العَطاءَ والمثوبةَ لعِبادِه الطّائعين في الجنَّةِ، ويُعطيهم اللهُ مِن الجَمالِ والقوَّةِ ما يتَلذَّذون به بالنَّعيمِ أضعافًا مُضاعَفةً، ولا وجْهَ للمقارَنةِ بينَ نَعيمِ الدُّنيا ونعيمِ الآخِرَةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «يُعطى المؤمِنُ في الجنَّةِ قوَّةَ كذا وكذا مِن الجِماعِ»، وفي هذا كنايةٌ عن كَثرةِ عَددِ النِّساءِ الَّتي يجامِعُها، وقيل: هو كنايةٌ عن عددِ مرّاتِ الجِماعِ؛ وذلك لأنَّه لَمّا كانتِ النِّساءُ مِن أضرِّ الفِتنِ على الرِّجالِ في الدُّنيا، جعَل اللهُ لِمَن يَتَّقيها في الدُّنيا ما يُقابِلُها في الجنَّةِ مِن الأجرِ والثَّوابِ عِوَضًا عنها؛ حيثُ جعَلَ له مِن الحُورِ العِينِ ومِن جمالِها ما لا يُضاهيه في نِساءِ الدُّنيا وأعطاه هذه القُوَّةَ العظيمةَ؛ ليتمتَّعَ المتعةَ الكاملةَ.
«قيل»، أي: مِن بعضِ الصَّحابةِ: «يا رسولَ اللهِ، أوَيُطِيقُ ذلك؟»، أي: هل سيَقدِرُ على هذا القدْرِ مِن الجِماعِ؟! وذلك تَعجُّبًا منهم على ما قارَنوه بما يَقدِرُ عليه الإنسانُ في الدُّنيا وما يُصيبُه مِن فُتُورٍ، فقال النَّبيُّ ﷺ: «يُعطى قوَّةَ مئةٍ»، أي: إنَّ بِنْيَتَه الجِسميَّةَ في الجنَّةِ تكونُ في قوَّةِ مِئةِ رجُلٍ مِن أهلِ الدُّنيا، فإذا كان له تِلك القوَّةُ في الجنَّةِ كان له ما يقابِلُها مِن جِماعٍ، ولا فُتورَ في الجنَّةِ.
المسألة السابعة: هل تتزوج المرأة في الجنة أكثر من رجل؟
إن الله تعالى وصف اهل الجنة ﴿ طبتم﴾ فلا يدخل الجنة الا من اصبح طيبا والنفس الطيبة لا تميل او ترغب بالشذوذ فلا يشتهي اهل الجنة الا الطيب بالفطرة السليمة وعليه فلا يطلبون الشذوذ -والعياذ بالله- وعلى ضوء ذلك يقال ان فطرة المرأة ان تكون لرجل واحد وهو نعيمها والتعدد شقاء وخلاف متطلبات النفس الطيبة ففي الجنة يكون نعيم المرأة كذلك برجل واحد ومما يؤكد هذا الفهم أن من تتزوج اكثر من واحد بين النبي ﷺ أنها تكون في الجنة لاحدهم ومن المهم التوضيح بان النعيم والسعادة لا تتو قف على العدد بل هي منحة من الله والله تعالى قادر على ان يكرم المؤمنات الصالحات بأنواع الكرم الله تعويضا ومقابلة لجانب الحور العين للرجال فقدرة الله اكبر مما نتصور وفي الجنة ما لا خطر على قلب بشر وختاما فالحكمة الاهتمام والسعي لدخول الجنة ونيل عالي الدرجات فيها اما تفاصيل النعيم فكرم الله اكبر مما نتصور ومن هنا وصف نعيم الجنة انه ما لاعين رات و لا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لأنها ﴿ نزلا من غفور رحيم﴾ و القران صور جانبا وعرض لقطات من نعيمها تشو يقا ليهون بذل كل شيء مقابلها.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى -:
إنما ذكر - أي الله عزوجل - الزوجات للأزواج لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج .. بل لهن أزواج من بني آدم. [مجموع الفتاوى(2/53)].

المسألة الثامنة: غيرة الحور العين على أزواجهنّ في الدنيا:
أخبرنا الرسول - ﷺ - أن الحور العين يغرن على أزواجهن في الدنيا إذا آذى الواحد زوجته في الدنيا ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن معاذ – رضي الله عنه - عن رسول الله - ﷺ - قال: « لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو دخيل عندك، يوشك أن يفارقك إلينا ».[صحيح الترمذي (١١٧٤)]
كان النبيُّ ﷺ دائمًا ما يُحذِّرُ النِّساءَ مِنْ إغضابِهِنَّ لأزوجِهِنَّ بما لَهُنَّ في الآخِرةِ مِنْ عقابٍ على كُفرانِهِنَّ للعشيرِ، أو لَعْنِ الملائكةِ لعاصيةِ زَوْجِها، وما للرَّجُلِ في الجَنَّةِ مِنَ الحُورِ العِينِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «لا تُؤذِي امرأةٌ زَوجَها في الدُّنيا»، أي: تتسبَّبُ أو تُصيبُ زوجَها المؤمنَ بشرٍّ، بقولٍ أو فعلٍ يَنهى عنه الشَّرعُ، «إلّا قالت زوجتُه»، أي: مِن أهلِ الجنَّةِ، وهي «مِن الحُورِ العِينِ»، والحَوْراءُ هي شديدةُ بياضِ العَيْنِ، والعِينُ- بالكَسرِ- هي واسعةُ العَيْنِ: «لا تُؤذيه، قاتَلَكِ اللهُ»، أي: عاداكِ أو قتَلَكِ أو لعَنَكِ، وهي غالبًا كلمةٌ تُستخدَمُ على اللِّسانِ ولا يُرادُ حَقيقةُ معناها، كـ«ثَكِلَتْك أمُّك» ونحوِ ذلك، «فإنَّما هو عندَكِ دخيلٌ»، أي: ضيفٌ غريبٌ نَزيلٌ عندَكِ، «يُوشِكُ أن يفارِقَكِ إلينا»، أي: قريبًا يتركُكِ ويدخُلُ الجنَّةَ فيكونُ معنا.
وفي الحديثِ: التَّرهيبُ الشَّديدُ مِنْ إيذاءِ الزَّوجةِ لزَوْجها.
وفيه: دَلالةٌ على أنَّ المَلَأ الأعلى يَطَّلِعونَ على أعمالِ أَهْلِ الدُّنيا.
وفيه: غَيرةُ الحُورِ العِينِ على أزْواجِهِنَّ في الدُّنيا.

المسألة التاسعة: فرح الحور العين بنجاة المؤمن من النار.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « إنَّ أدنى أهلِ الجنةِ منزلًا رجلٌ صرف اللهُ وجهَه عن النارِ قبلَ الجنةِ، ومَثَّلَ له شجرةً ذاتَ ظِلٍّ، فقال: أيْ ربِّ قدِّمْني إلى هذه الشجرةِ فأكونُ في ظلِّها، فقال اللهُ: هل عسيتَ أنْ تسألَني غيرَه؟ قال: لا وعزَّتِك، فقدَّمَه اللهُ إليها، ومَثَّلَ له شجرةً ذاتَ ظِلٍّ وثمرٍ، فقال: أيْ ربِّ قدِّمْني إلى هذه الشجرةِ فأكونُ في ظلِّها، وآكلُ من ثمرِها، فقال اللهُ: هل عسيتَ إن أعطيتُك ذلك أن تسألَني غيرَه؟ فيقولُ: لا وعزَّتِك، فيُقدِّمُه اللهُ إليها فيُمثِّلُ اللهُ له شجرةً أخرى ذاتَ ظِلٍّ وثمرٍ وماءٍ، فيقول: أيْ ربِّ قدِّمْني إلى هذه الشجرةِ فأكونُ في ظلِّها، وآكلُ من ثمرِها، فقال اللهُ: هل عسيتَ إن أعطيتُك ذلك أن تسألَني غيرَه؟ فيقولُ: لا وعزَّتِك لا أسألُك غيرَه، فيُقدِّمُه اللهُ إليها، فيبرزُ له بابُ الجنةِ، فيقولُ: أيْ ربِّ قدِّمْني إلى بابِ الجنةِ فأكونُ تحتَ سِجافِ الجنةِ فأرى أهلَها، فيقدِّمُه اللهُ إليها فيرى الجنةَ وما فيها، فيقولُ: أيْ ربِّ أدخلْني الجنةَ، فيدخلُ الجنةَ، فإذا دخل الجنةَ قال: هذا لي؟ فيقولُ اللهُ له تَمَنَّ: فيتمنى، ويذكرُه اللهُ عزَّ وجلَّ سَلْ من كذا وكذا حتى إذا انقطعتْ به الأمانيُّ، قال اللهُ: هو لك وعشرةَ أمثالِه، ثم يُدخلُه اللهُ الجنةَ، فيُدْخِلُ عليه زوجتاه من الحورِ العينِ؛ فيقولان: الحمدُ للهِ الذي أحياك لنا، وأحيانا لك. فيقولُ: ما أُعطيَ أحدٌ مثلَ ما أُعطيتُ. وأدنى أهلِ النارِ عذابًا ينْعلُ من نارٍ بنعلينِ يغْلي دماغُه من حرارةِ نعْلَيْه ». [صحيح الجامع (١٥٥٧) صحيح]
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « دَعوا لي النَّجديَّ، فوالذي نفسي بيدِه إنه لمن ملوكِ الجنةِ. قال: فلقوا العدوَّ، فاستُشْهِد، فأُخبِرَ بذلك النبيُّ، فأتاه فقعد عند رأسِه مُستبشرًا - أو قال: مسرورًا - يضحكُ، ثم أعرض عنه. فقلنا: يا رسولَ اللهِ ! رأيناك مُستبشِرًا، تضحكُ، ثم أعرضتَ عنه؟ فقال: أما مارأيتُم من استبْشاري - أو قال من سُروري - فلما رأيتُ من كرامةِ رُوحِه على اللهِ عزّ وجلَّ. وأما إعراضي عنه؛ فإنَّ زوجتَه من الحورِ العِينِ الآنَ عند رأسِه ». [صحيح الترغيب (١٣٨٢) حسن]

المسألة العاشرة: هل النساء أكثر في الجنة أم في النار؟
فاختلف العلماء - لأجل هذا - في التوفيق بين الأحاديث السابقة: أي هل النساء أكثر في الجنة أم في النار؟
فقال بعضهم: بأن النساء يكن أكثر أهل الجنة وكذلك أكثر أهل النار لكثرتهن. قال القاضي عياض: النساء أكثر ولد آدم.
وقال بعضهم: بأن النساء أكثر أهل النار للأحاديث السابقة. وأنهن - أيضا - أكثر أهل الجنة إذا جمعن مع الحور العين فيكون الجميع أكثر من الرجال في الجنة.
وقال آخرون: بل هن أكثر أهل النار في بداية الأمر ثم يكن أكثر أهل الجنة بعد أن يخرجن من النار - أي المسلمات -
قال القرطبي – رحمه الله تعالى – تعليقا على قوله ﷺ: «رأيتكن أكثر أهل النار» يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار وأما بعد خروجهن في الشفاعة ورحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال: لا إله إلا الله فالنساء في الجنة أكثر. [التذكرة(361)]
الحاصل: أن تحرص المرأة أن لا تكون من أهل النار.

المسألة الحادية عشر: الحكمة من وعد الله للرجال بالحور العين في الجنة وعدم وعد النساء بالرجال.
الحكمة في ذلك والله أعلم أن الرجال هم القوامون على النساء، وأنهم إذا وعدوا بهذه الأشياء صار هذا أقرب إلى نشاطهم في طلب الآخرة، وحرصهم على طلب الآخرة، وعدم ركونهم إلى الدنيا الركون الذي يحول بينهم وبين المسابقة إلى الخيرات، والنساء تابعات للرجال في الأغلب، فإذا رزق الرجل الحور العين في الجنة مع ما وعد الله به النساء المؤمنات من الخير العظيم، والدرجات العالية في الجنة، فلهن من الأجر ما يجعلهن زوجات للخيرين من الرجال في الجنة، والرجل يعطى زيادة من الحور العين، وليس في الجنة أذى ولا منافسة ولا ضرة، كما يفعل الضرات في الدنيا.[موقع العلامة ابن باز]
وقال العلامة العثيمين – رحمه الله تعالى -:
ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس، فهو حاصل في الجنة لأهل الجنة ذكورا كانوا أم إناثا، فالمرأة يزوجها الله - تبارك وتعالى - في الجنة بزوجها الذي كان زوجا لها في الدنيا، كما قال الله - تبارك وتعالى - : ﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.[مجموع الفتاوى(2/52)]
وقال: إنما ذكر الزوجات للأزواج ؛ لأن الزوج هو الطالب ، وهو الراغب في المرأة ؛ فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة ، وسكت عن الأزواج للنساء ، ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج ، بل لهن أزواج من بني آدم. [المصدر السابق]

المسألة الثانية عشر: صفات نساء الجنة من أهل الدنيا.
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ برجالِكم مِنْ أهلِ الجنةِ؟ النبيُّ في الجنةِ، والشهيدُ في الجنةِ، والصِّدِّيقُ في الجنةِ والمولودُ في الجنةِ، والرجلُ يزورُ أخاه في ناحيةِ المصرِ في اللهِ في الجنةِ. أَلا أُخْبِرُكُمْ بنسائِكم مِنْ أهلِ الجنةِ؟ الودودُ الولودُ، العؤودُ؛ التي إذا ظُلِمَتْ قالت: هذه يدي في يدِكَ، لا أذوقُ غُمْضًا حتى تَرْضى». [صحيح الجامع (٢٦٠٤) حسن]

المسألة الثالثة عشر: من كانت له نساء في الجنة.
عن بريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه – قال: قال: رسول الله ﷺ: «دخلْتُ الجنةَ فاسْتَقْبلَتْنِي جارِيَةٌ شابَّةٌ، فقُلْتُ: لِمَنْ أنْتِ؟ قالتْ: أنا لِزَيْدِ بنِ حارِثَةَ». [السلسلة الصحيحة (١٨٥٩)].
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ يقول: «رأيتني دخلتُ الجنةَ، فإذا أنا بالرُّميصاءِ امرأةِ أبي طلحةَ، وسمعْتُ خشْفًا مِنْ أمامي، فقلْتُ: مَنْ هذا يا جبريلُ؟ قال: هذا بلالٌ، ورأيتُ قصْرًا أبيضَ بفنائِهِ جاريةً، فقلْتُ: لمن هذا القصرُ؟ قالوا: لعُمَرِ بنِ الخطابِ فأردتُّ أنْ أدخلَهُ فأنظرَ إليه، فذكرْتُ غَيْرَتَكَ». [صحيح الجامع (٣٤٧٨)].
المسألة الرابعة عشر: شوق الصالحين للحور العين.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى –:
والصالحون في هذه الدار بعدما علموا بما جاء في كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم في شأنهن ، يكونون في أشد الشوق والحب لهن مما له أكبر الأثر في إقبالهم على طاعة مولاهم وأن يُقِر أعينهم بهنّ.
قال ربيعة بن كلثوم رحمه الله تعالى -:
نظر إلينا الحسن ونحن حوله شباب فقال : يا معشر الشباب أَما تشتاقون إلى الحور العين ؟
وقال لي ابن أبي الحواري – رحمه الله تعالى -: حدثني الحضرميُ قال رحمه الله تعالى -:
نمت أنا وأبو حمزة على سطح ، فجعلتُ أنظر اليه يتقلب على فراشه إلى الصباح ، فقلت يا أبا حمزة ما رقدت الليلة ، فقال إني لمّا اضطجعتُ تمثلت لي حوراء حتى كأني أحسست بجلدها وقد مس جلدي ، قال: فحدثت به أبا سلمان فقال : هذا رجلٌ كان مشتاقاً.
وقال عطاء السلمي لمالك بن دينار – رحمهم الله تعالى -:
يا أبا يحيى شوّقنا ، قال : يا عطاء : إن في الجنة حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها ، لولا أن الله تعالى كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا ، لماتوا من حسنها ، فلم يزل عطاء كمداً من قول مالك أربعين يوماً . [ذكره القرطبي في التذكرة (صـ556)]
فعلى المؤمن إذا أراد هذا النعيم من الجنّة أن يجتهد في طاعة الله ويحافظ على دينه فإن سلعة الله غالية.

المسألة الخامسة عشر: أيهما أجمل الحور العين أم نساء الدنيا؟.
قال القرطبي - رحمه الله تعالى -:
واختلف أيهما أكثر حسنًا وأبهر جمالاً: الحور أو الآدميات؟ فقيل:الحور لما ذكر من وصفهن في القرآن والسنة ولقوله-عليه الصلاة والسلام- في دعائه على الميت في الجنازة: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ». [مسلم(2276)]
وقيل: الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف ...ثم ذكر قول حبان بن أبي جبلة: إن نساء الدنيا من دخل منهنّ الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا. [ تفسير القرطبي: (17/143)]


المرجع / وصف الجنة كأنك تراها ص 220-254.

اللهم يسر بطباعته.

❐أبّوَ مٌحُمٌدِ طِاُهرَ الُسِمٌاوَيَ❐:

https://t.me/taheer77
    ════ ❁✿❁ ════
*✍ إنشـــر.فنشر.العــلم.من.أجل.القربـــات.ms*

الثلاثاء، 4 فبراير 2020

أيها العلماء والدعاة أصلحوا دنياكم ولا تذلوا أنفسكم.


المبحث الثالث عشر: أيها العلماء والدعاة أصلحوا دنياكم ولا تذلوا أنفسكم.

عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ – رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ عَلَيَّ ثِيَابِي وَسِلَاحِي، ثُمَّ آتِيهِ، فَفَعَلْتُ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ إِلَيَّ الْبَصَرَ ثُمَّ طَأْطَأَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَمْرُو، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُغْنِمُكَ اللَّهُ، وَأَرْغَبُ لَكَ رَغْبَةً مِنَ الْمَالِ صَالِحَةً» ، قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أُسْلِمْ رَغْبَةً فِي الْمَالِ، إِنَّمَا أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ فَأَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو، نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ». [قال العلامة الألباني صحيح(299)، المشكاة(3756)]

قال عبد الله بن المبارك: وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقَعُ مَوقِعَ الكَسْبِ عَلَى العِيَالِ شَيْءٌ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ الله. [السير(8/399)].

قال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يعطي منه حقه، ويكف به وجهه عن الناس. [ الحلية (2/173)]

وذكر ابن الجوزي رحمه الله كلاماً نافعاً عذباً أنقله لجودته قال: ليس في الدنيا أنفع للعلماء من جمع المال للاستغناء عن الناس؛ فإنها إذا ضم إلى العلم، حيز الكمال.
وإن جمهور العلماء شغلهم العلم عن الكسب، فاحتاجوا إلى ما لا بد منه، وقل الصبر، فدخلوا مداخل شانتهم، وإن تأولوا فيها، إلا أن غيرها كان أحسن لهم! فالزهري مع عبد الملك، وأبو عبيد مع طاهر بن الحسين، وابن أبي الدنيا مؤدب المعتضد، وابن قتيبة صدر كتابه بمدح الوزير "ابن خاقان".
وما زال خلف من العلماء والزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم، وهؤلاء وإن كانوا سلكوا طريقًا من التأويل؛ فإنهم فقدوا من قلوبهم وكمال دينهم أكثر مما نالوا من الدنيا.
وقد رأينا جماعة من المتصوفة والعلماء يغشون الولاة لأجل نيل ما في أيديهم، فمنهم: من يداهن ويرائي، ومنهم: من يمدح بما لا يجوز، ومنهم: من يسكت عن منكرات، إلى غير ذلك من المداهنات، وسببها الفقر، فعلمنا أن كمال العز، وبعد الرياء، إنما يكون في البعد عن العمال الظلمة.
ولم نر من صح له هذا إلا في أحد رجلين:
أما من كان له مال: كسعيد بن المسيب، كان يتجر في الزيت وغيره، وسفيان الثوري، كانت له بضائع، وابن المبارك.
وأما من كان شديد الصبر، قنوعًا بما رزق، وإن لم يكفه، كبشر الحافي، وأحمد بن حنبل. ومتى لم يجد الإنسان كصبر هذين، ولا كمال أولئك؛ فالظاهر تقلبه في المحن والآفات، وربما تلف دينه.
فعليك -ياطالب العلم- بالاجتهاد في جمع المال للغنى عن الناس؛ فإنه يجمع لك دينك! فما رأينا في الأغلب منافقًا في التدين والتزهد والتخشع ولا آفة طرأت على عالم، إلا بحب الدنيا، وغالب ذلك الفقر. فإن كان من له مال يكفيه، ثم يطلب بتلك المخالطة الزيادة، فذلك معدود في أهل الشره، خارج عن حيز العلماء، نعوذ بالله من تلك الأحوال. [صيد الخاطر(175-176)].
وقد سبقت الإشارة إلى شيء من مواقف السلف رحمهم الله تعالى في عزتهم وعدم ذلتهم للسلاطين وصبرهم على الفقر إن كانوا فقراء، أو العمل في أعمال الدنيا إن كانوا في حاجة إلى ذلك، فهذا كان كاتباً وهذا كان ناسخاً وهذا كان تاجراً وهذا كان مزارعاً وهذا كان له دكاناً وهذا كان سماناً وهذا يبيع الزيت وهذا القماش وهذا يصله بعض العلماء بصله ويعينه وهكذا كانوا أعزة لم يضعوا أنفسهم في مواضع لا تحمد عقباها ولم يبيعوا دينهم ولم يذلوا أنفسهم وهناك نماذج كثيرة جداً.
فهشام الدستوائي: كان يبيع الثياب المجلوبة من دستواء؛ إحدى كور الأهواز ولذلك يقال له: صاحب الدستوائي. [تذكرة الحفاظ(1/124)]

والفضيل بن عياض كان يعيش من صلة ابن المبارك ونحوه من أهل الخير، ويمتنع من جوائز الملوك. [السير(8/442)]
وأبو حنيفة كان كبير الشأن لا يقبل جوائز السلطان بل يتجر ويتكسب. [تذكرة الحفاظ(1/ 127)] كان خزازا يبيع الخز ودكانه معروف في دار عمرو ابن حريث. [السير(6/394)].

والسيرافي العلامة، إمام النحو، أبو سعيد، الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي، صاحب التصانيف، ونحوي بغداد. ان أبو سعيد صاحب فنون، من أعيان الحنفية، رأسا في نحو البصريين، تصدر لاقراء القراءات، واللغة، والفقه، والفرائض، والعربية، والعروض.
وقرأ القرآن على ابن مجاهد، وأخذ اللغة، عن ابن دريد، والنحو عن أبي بكر بن السراج.
وكان دينا متورعا، لا يأكل إلا من كسب يده.
وولي القضاء ببعض بغداد، وكان ينسخ كل يوم كراسا أجرته عشرة دراهم لحسن خطه.[السير(16/247)]



نماذج من إصلاح العلماء معايشهم واستغنائهم عن الأمراء والسلاطين.



قيس بن عاصم.
وعن قيس بن عاصم أنه أوصى بنيه قال: عليكم بالمال واصطناعه، فإنه منبهة للكريم، ويستغني به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس، فإنه آخر كسب الرجل. [موسوعة ابن أبي الدنيا(2/247)].
المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ بنِ نُفَيْلِ بنِ جَابِرِ بنِ جَبَلَةَ الأَزْدِيُّ
الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، يَاقُوتَةُ العُلَمَاءِ، أَبُو مَسْعُوْدٍ الأَزْدِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الحَافِظُ.
وقَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً آدَبَ مِنَ المُعَافَى بنِ عِمْرَانَ، وَبَلَغَنَا أَنَّ المُعَافَى كَانَ أَحَدَ الأَسخِيَاءِ المَوْصُوْفِيْنَ، أَفنَى مَالَهُ الجُودُ، كَانَ إِذَا جَاءهُ مَغَلُّهُ، أَرْسَلَ مِنْهُ إِلَى أَصْحَابِهِ مَا يَكفِيْهِم سَنَةً، وَكَانُوا أَرْبَعَةً وَثَلاَثِيْنَ رَجُلاً.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ وُجُوْهِ الأَزْدِ.[السير(9/83)]
قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ المُعَافَى صَاحِبَ دُنْيَا وَاسِعَةٍ، وَضِيَاعٍ كَثِيْرَةٍ، قَالَ مَرَّةً رَجُلٌ: مَا أَشَدَّ البَرْدَ اليَوْمَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ المُعَافَى، وَقَالَ: أَسْتَدْفَأْتَ الآنَ؟ لَوْ سَكَتَّ، لَكَانَ خَيْراً لَكَ.[السير(9/84)]

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ العُتَقِيُّ
مَوْلاَهُمْ عَالِمُ الدِّيَّار المِصْرِيَّة، وَمُفْتِيْهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ العُتَقِيُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ، صَاحِبُ مَالِكٍ الإِمَامِ.
قال الذهبي: وَكَانَ ذَا مَالٍ وَدُنْيَا، فَأَنْفَقَهَا فِي العِلْمِ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ السُّلْطَانِ، وَلَهُ قَدَمٌ فِي الوَرَعِ وَالتَّأَلُّهِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ امْنَعِ الدُّنْيَا مِنِّي، وَامْنَعْنِي مِنْهَا.
وَبَلَغَنَا عَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الحِجَازِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، أَنْفَقْتُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَعَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: لَيْسَ فِي قُرْبِ الوُلاَةِ، وَلاَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُم خَيْرٌ. [السير(9/121)]

يحيى بن يسعيد القطان.
قال الذهبي: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ: كَانَ لِيَحْيَى القَطَّانِ نَفَقَةٌ مِنْ غَلَّتِهِ، إِنْ دَخَلَ مِنْ غَلَّتِهِ حِنطَةٌ، أَكَلَ حِنطَةً، وَإِنْ دَخَلَ شَعِيْرٌ، أَكَلَ شعِيْراً، وَإِنْ دَخَلَ تَمرٌ، أَكَلَ تَمراً. [السير(9/181)]

سفيان الثوري.
قال الذهبي - رحمه الله تعالى -:
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سُئِلَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهُوَ يَشْتَرِي شَيْئاً، فَقَالَ: دَعنِي، فَإِنَّ قَلْبِي عِنْدَ دِرْهَمِي.
وَرَوَى: مُوْسَى بنُ العَلاَءِ، عَنْ حُذَيْفَةَ المَرْعَشِيِّ، قَالَ:
قَالَ سُفْيَانُ: لأَنْ أُخَلِّفَ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ يُحَاسِبُنِي اللهُ عَلَيْهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحتَاجَ إِلَى النَّاسِ.
وَقَالَ رَوَّادُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ المَالُ فِيْمَا مَضَى يُكْرَهُ، فَأَمَّا اليَوْمَ، فَهُوَ تُرْسُ المُؤْمِنِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَاهِلِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الثَّوْرِيِّ يُشَاوِرُهُ فِي الحَجِّ.
قَالَ: لاَ تَصْحَبْ مَنْ يُكرَمُ عَلَيْكَ، فَإِنْ سَاوَيتَه فِي النَّفَقَةِ أَضَرَّ بِكَ، وَإِنْ تَفَضَّلَ عَلَيْكَ اسْتَذَلَّكَ.
وَنَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَفِي يَدِهِ دَنَانِيْرُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تُمْسِكُ هَذِهِ الدَّنَانِيْرَ؟!
قَالَ: اسْكُتْ، فَلَوْلاَهَا لَتَمَنْدَلَ بِنَا المُلُوْكُ. [السير(7/214)]


ابن جرير الطبري.
قال أبو محمد الفرغاني: كان محمد لا يأخذه في الله لومة لائم مع عظم ما يؤذَى، فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده ورفضه للدنيا وقناعته بما يجيئه من حصة خلفها له أبوه بطبرستان. [تذكرة الحفاظ(2/202)].

المرجع/ تحذير الصالحين من مخالطة السلاطين. ص 65.

❐أبّوَ مٌحُمٌدِ طِاُهرَ الُسِمٌاوَيَ❐:

⏮تابعنا على التليجرام.


https://t.me/taheer77
════ ❁✿❁ ════
*✍ إنشـــر.فنشر.العــلم.من.أجل.القربـــات.ms*

الأحد، 2 فبراير 2020

إثبات اليد والكف والأصابع والأنامل لله تعالى.

المبحث الرابع: إثبات اليد والكف والأصابع والأنامل لله تعالى.

المسألة الأولى: الأدلة على وصف اليد لله تعالى:

أولاً: الْيَدِ  

الْيَدِ لِلْخَالِقِ الْبَارِئِ جَلَّ وَعَلَا وَالْبَيَانُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ يَدَانِ، كَمَا أَعْلَمَنَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدَيْهِ قَالَ الله  عَزَّ وَجَلَّ لِإِبْلِيسَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وَقَالَ الله جَلَّ وَعَلَا تَكْذِيبًا لِلْيَهُودِ حِينَ قَالُوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ, فَكَذَّبَهُمْ فِي مَقَالَتِهِمْ، وَقَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ أَعْلَمَنَا أَنَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ , وَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ, وَقَالَ الله : فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تَرْجَعُونَ وَقَالَ الله : تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , وَقَالَ الله : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا

عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال: رسول الله  -:  إِنَّ العبدَ إذا تَصَدَّقَ من طَيِّبٍ تَقَبَّلَها اللهُ مِنْهُ، وأَخَذَها بِيَمِينِهِ فَرَبّاها، كما يُربِّي أحدُكُمْ مُهْرَهُ أوْ فَصِيلهُ، وإِنَّ الرجلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ، فَتَرْبُو في يَدِ اللهِ أوْ قال: في كَفِّ اللهِ حتى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ، فَتَصَدَّقُوا. [صحيح الترغيب (٨٥٦)]

يُحبِّبُنا النَّبيُّ  في الصَّدقاتِ، فمَن تَصدَّق بقيمةِ تمرةٍ مِن كَسبٍ حلالٍ- ولا يقبَلُ اللهُ إلّا الكسبَ الحلالَ- فاللهُ يتقبَّلُها بيمينِه، ثمَّ يُنمِّيها ويُضاعِفُ أجرَها لتثقُلَ في الميزانِ، كما يُربِّي أحدُكم مُهْرَه، حتّى تكونَ مِثلَ الجبَل.

والحاصلُ أنَّ مَن تصدَّق بصدقةٍ قليلةٍ خالصة مِن الرِّياء والسُّمعة مِن مالٍ حلال، فإنَّ اللهَ يكبِّرُ صورتَها، ويضاعِفُ ثوابها، ويُثقِّلُ وزنَها في ميزانِه يومَ القيامة، حتّى تكونَ كالجبلِ الضَّخمِ في صورتِها ووزنِها.

وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقبَلُ عند اللهِ تعالى إلّا إذا كانت طيِّبةً، بأن تكونَ خالصةً لله، ومِن كسبٍ حلالٍ.

وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقوَّمُ بحجمِها، وإنَّما تُقوَّمُ بإخلاصِ صاحبها، وبالمالِ الَّذي خرَجَتْ منه، حلالًا كان أو حرامًا.

وفيه: أنَّ الأعمالَ الصّالحةَ تحوَّلُ يومَ القيامة إلى أجرامٍ مادِّيَّةٍ، لها صورةٌ وحجمٌ ووزنٌ، فتوضَعُ في ميزانِ العبدِ، وتُوزَنُ في كِفَّةِ حسناتِه.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال: رسول الله  -: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وقالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأى لا تَغِيضُها نَفَقَةٌ سَحّاءُ اللَّيْلَ والنَّهارَ، وقالَ: أرَأَيْتُمْ ما أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّماءَ والأرْضَ، فإنَّه لَمْ يَغِضْ ما في يَدِهِ، وكانَ عَرْشُهُ على الماءِ، وبِيَدِهِ المِيزانُ يَخْفِضُ ويَرْفَعُ. [ البخاري (٤٦٨٤) واللفظ له، ومسلم (٩٩٣)]

يُبيِّنُ النَّبيُّ  في هذا الحديثِ القُدسيِّ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: «أَنفِقْ أُنفِقْ عليكَ، وقال: يَدُ اللهِ مَلأى»، أيْ: شديدة الامتِلاء بالخَير، «لا تَغِيضُها»، أي: لا تَنقُصُها، «نفَقةٌ، سَحّاءُ اللَّيلِ والنَّهارِ»؟، «وسحّاء»، أي: كثيرةُ العطاءِ، وقال : «أخبِروني ما أَنْفَق»، أي: الذي أنفَقَه منذُ خَلَق السَّماء والأرض؛ «فإنَّه لم يَغِضْ»، أي: لم يَنقُصْ ما في يَدِه، «وكان عَرْشُه على الماءِ، وبيدِه المِيزانُ: يَخْفِض» مَن يَشاءُ، «ويَرفَع» مَن يَشاء، وأئمَّةُ السُّنَّةِ على وُجوبِ الإيمانِ بهذا الحديثِ وأشباهِه من غَيرِ تأويلٍ؛ بل يُمرُّونَه على ظاهرِه كما جاءَ، ولا يُقال: كيف.

في الحديث: الحَضُّ على الإنفاقِ فِي الواجباتِ كالنفقةِ على الأهلِ، وصِلةِ الرَّحمِ، ويَدخُل فيه أيضًا صَدقةُ التطوُّعِ، والوعدُ بإخلافِ اللهِ تعالى على المُنفِقِ.

وفيه: إثباتُ صِفةِ اليَدِ للهِ سبحانه على ما يَليقُ بكمالِه وجلالِه.

عن عرفجة بن شريح – رضي الله عنه – قال قال: رسول الله  -:  إنَّهُ سيَكونُ بعدي هَناتٌ وهَناتٌ فمن رأيتُموهُ فارقَ الجماعةَ أو يريدُ يفرِّقُ أمرَ أمَّةِ محمَّدٍ صلّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كائنًا من كانَ فاقتلوهُ فإنَّ يدَ اللَّهِ على الجماعةِ فإنَّ الشَّيطانَ معَ من فارقَ الجماعةَ يركضُ. [ صحيح النسائي (٤٠٣٢)].


 ثانياً: وَالأنامل

عَن معَاذ بن جبل- رضي الله عنه  – قَالَ: احْتبسَ عَنَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... قَالَ فرأيته وضع كَفه بَين كَتِفي فَوجدت برد أنامله بَين ثديي فتجلى لي كل شَيْء....الحديث. [صحيح الجامع (59) وهداية الرواة (693)]

قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فرَأيتُه وضَع كَفَّه بينَ كَتِفيَّ حتَّى وجَدتُ برْدَ أنامِلِه بينَ ثَديَيَّ"، أي: شَعَرتُ ببَرْدِها على قَلْبي وصَدْري، كأنَّه أرادَ بذلك أن يَضَعَ الفَيْضَ في قلبِه بنُزولِ الرَّحمةِ، وانْصِبابِ العُلومِ عليه، وهذا مِن تَخْصيصِه إيَّاه بمَزيدِ الفضلِ عليه؛ لأنَّ مِن دَيْدَنِ الملوكِ إذا أرادوا أن يُدْنوا إلى أنفُسِهم بعْضَ خدَمِهم يضَعون أيدِيَهم عليهم تَلطُّفًا بهم، وتعظيمًا لشأنِهم، ووضْعُ اليدِ نُؤمِنُ به مِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ ولا تعطيلٍ، ولا نُفسِّرُه بما يُفسَّرُ به صِفاتُ الخَلْقِ، بل يُوكَلُ عِلمُ الكيفيَّةِ إلى اللهِ تعالى.

وفيه: إثباتُ أنَّ للهِ تعالى كفًّا وأنامِلَ تَليقُ بذَاتِه وجَلالِه.


ثالثاً: الأصابع.

عن النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ - رضي الله عنه  -: قال:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ، يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ» قَالَ: «وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ قَوْمًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». [الصحيحة (2091)]

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه  -: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ، وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا» وَأَشَارَ الْأَعْمَشُ بِإِصْبَعَيْهِ. [سنن ابن ماجة (3834) قال الألباني: صحيح]

قال السفاريني - رحمه الله  تعالى -:

وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: ذِكْرُ الْأَصَابِعِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا، فَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا. [لوامع الأنوار البهية (1/236)]

الإصبع في كلام العرب تقع على النعمة والأثر الحسن وهذا المعنى لا يجوز في هذا الحديث، فكون الإصبع معلوماً بقوله -  -، وكيفيته مجهولة، وكذلك القول في جميع الصفات يجب الإيمان به، ويترك الخوض في تأويله، وإدراك كيفيته.

قال العلامة العثيمين – رحمه الله  تعالى -:

يقول: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ أي: مقبوضة له، أي: في مُلْكِه وتَصَرُّفِه. ففسَّر المؤلف القبضَ بمعنى الملك والتَّصَرُّف. وفي هذا نظر ظاهر، بل هذا تحريف؛ لأن الملك والتصرف، كل شيء في ملكه وتصرفه، الأرض والسماء يوم القيامة وقبلَ يوم القيامة، لكن القَبْضَة بمعنى المقبوضة التي تكون في اليد تُحيطُ بها اليد هذه هي القبضة، فيقال مثلًا: قبضة مِنْ طعام، ما معنى قبضة من طعام؟ يعني أن الإنسان يقبض الطعام بيده هكذا، فالأرض يوم القيامة قبضة الله عز وجل، وقد جاء ذلك مبينًا في حديث عبد الله بن مسعود في قصة النبي  مع حَبْرٍ من أحبار اليهود: «أَنَّ الله يجعل الأرض على إصبع والشجر على إصبع والجبال على إصبع » إلى آخره، فالصواب المتعيِّن أن يُقال: المراد بالقبضة أنها في قبضة يده عز وجل.

فإن قال قائل: وهل يجوز لنا أن نُمَثِّل هذه القبضة، بحيث نأخذ تَمْرَةً أو تفاحة ونضعها في أيدينا، ونقول: قَبْضَتُهُ ثم نقبض على التفاحة أو التمرة؟

الجواب: لا؛ لأننا لو فعلنا ذلك لكان هذا تمثيلًا لقبضة الله سبحانه وتعالى للأرض، وهذا لا يجوز. أما أن نبين معنى القبضة فلا بأس، بأن نقول: القبضة هي وضع الشيء في اليد ثم قبضه بها، لكن نُكَيِّف كيف قبض الله عز وجل على الأرض هذا خلاف معتقد أهل السنة والجماعة، كما هو معروف للجميع.

وقوله: يَوْمَ الْقِيَامَةِ هذه ظرف للقبضة؛ أي: أنها تكون قبضة له يوم القيامة، ويوم القيامة هو اليوم الذي يُبْعَث فيه الناس من قبورهم لله عز وجل. [تفسير ابن عثيمين()]

رابعاً: الكف.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه  - قال: قَالَ رَسُولُ الله -  -«مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ الله إِلاَّ الطَّيِّبَ، إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ, وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، وَإِنْ كانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ». [ البخاري (1410، 7430) تعليقاً، ومسلم (1014)]

يُخبِر الرَّسولُ  عن عِظَمِ مِنَّةِ الله تعالى وكَرَمِه؛ فيقول: «مَن تصدَّق بعَدْل»، أي: ما يساوِي ويُعادِل، أو قِيمَة «تَمْرَة مِن كَسْبٍ طيِّبٍ» حلال، «ولا يَصْعَدُ إلى الله إلّا الطَّيِّبُ» جُملة معترِضةٌ معناها: لا يَقْبَلُ الله تعالى إلّا الحلالَ، «فإنَّ الله يتقبَّلها بِيَمِينِه»، أي: بِيَدِه اليُمْنى كَرامةً لها، وكِلْتا يَدَيْه تعالى يَمِينٌ مبارَكة، «ثُمَّ يُرَبِّيها»، أي: يُنَمِّيها ويعظِّمها «لصاحبِها، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ» وهو المُهْرُ، أي: الصَّغيرُ من الخَيْل الَّذِي يَحتاجُ للرِّعاية والتربِيَة، «حتّى تكونَ مِثْلَ الجَبَلِ» حَجْمًا وثِقَلًا يومَ القيامةِ.

وفي الحديثِ: إثباتُ اليدِ للهِ تعالى على ما يَليقُ بكمالِه سبحانَه.

فاليد والكف الأصابع والأنامل صفة ذاتية خبرية ثابتة لله عز وجل بالأحاديث الصحيحة التي مر ذكرها وغيرها كثير عن النبي -  -، والإيمان بها واجب، والبحث عن كيفيتها منكر وباطل لا يجوز الدخول فيه كما هي عقيدة السلف رحمهم الله جميعا وعصمنا الله من مضلات الفتن.

قال الأصبهاني - رحمه الله  تعالى -:

وللكف معان, وليس يحتمل الحديث شيئاً من ذلك، إلا ما هو معروف في كلام العرب، فهو معلوم بالحديث, مجهول الكيفية. [الحجة (2/ 262)]

وقال صديق حسن خان – رحمه الله تعالى -:

ومن صفاته سبحانه: اليد، واليمين، والكف، والإصبع. [قطف الثمر(ص 66)]

قال الراغب الأصفهاني - رحمه الله  تعالى -:

وكذلك القول فيما يضارع هذه الصفات كقوله تعالى: لما خلقت بيدي، وقوله: بل يداه مبسوطتان، وقوله: ويبقى وجه ربك، وقول النبي -  -: «حتى يضع الجبار فيها قدمه». «إن أحدكم يأتي بصدقته فيضعها في كف الرحمن». وقوله: «يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع». فإذا تدبره متدبر، ولم يتعصب بان له صحة ذلك وأن الإيمان به واجب، وأن البحث عن كيفية ذلك باطل. وهذا لأن اليد في كلام العرب تأتي بمعنى القوة ... ثم ذكر معانيها في اللغة فذكر النعمة، والنصرة، والملك، والتصرف، وبين امتناع إرادة هذه المعاني في حق ما ورد من آيات ذكر اليد لله تعالى ثم قال:  ومنها اليد التي هي معروفة، فإذا لم تحتمل الأوجه التي ذكرنا لم يبق إلا اليد المعلوم كونها، المجهولة كيفيتها، ونحن نعلم يد المخلوق وكيفيتها لأنا نشاهدها ونعاينها فنعرفها، ونعلم أحوالها، ولا نعلم كيفية يد الله تعالى، لأنها لا تشبه يد المخلوق، وعلم كيفيتها علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، بل نعلم كونها معلومة لقوله تعالى، وذكره لها فقط، ولا نعلم كيفية ذلك وتأويلها. [الحجة في بيان المحجة (2/ 257 - 262)]





المسألة الثانية: مذاهب الناس في إثبات صفة اليد لله تعالى.

أولاً: مذهب أهل السنة. مذهب الصحابة والتابعين وأهل الحديث وأهل السنة قاطبة إثبات ما لله تعالى من الصفات التي ثبتت في الكتاب والسنة كما جاءت دون تكييف أو تمثيل أو تحريف أو تعطيل وهو  القول الحق لقوة أدلتهم.

ثانياً: مذهب ابن حزم الأندلسي اثبت أن لله تعالى ايدي كثيرة. قال: إن لله تعالى يد ويدين وأيدي. وذلك لأنه أخذ بالأدلة مفردة ولم يجمع بين الأدلة فاليد تدخل تحت اليدين والجمع يدل على التعظيم وليس على الكثرة والصواب أن من ذلك أن له يدين تليقان به لا نعلم كيفيتها.

ثالثاً: مذهب أبو العباس القلانسي الكلابي أن لله يد واحدة. وهو مذهب مرجوح لإهماله للأدلة الأخرى الثابتة في الكتاب والسنة.

رابعاً: مذهب المشبهة وهم الذين يثبتون أن لله أيدي كأيدي الناس.  وزعيم هذا المذهب هشام بن الحكم الرافضي وهشام الجواليقي وهم روافض ومذهبهم إثبات أن لله جميع الأعضاء التي للإنسان إلا الفرج واللحية تعالى الله عمال يقولون علوا كبيرا وهذا المذهب كفى به قبحاً أن يرد عليه لبشاعته وشناعته قبح الله أصحابه.

قال العلامة المقريزي رحمه الله  تعالى:

وهكذا أثبتوا - رضي الله عنه م - ما أطلقه سبحانه على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك، مع نفي مماثلة المخلوقين. فأثبتوا - رضي الله عنه م - بلا تشبيه، ونزهوا من غير تعطيل، ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا... ولا عرف أحد منهم شيئاً من الطرق الكلامية ولا مسائل الفلسفة، فمضى عصر الصحابة - رضي الله عنه م - على هذا. [المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (4/ 188)]

خامساً: المجسمة وهم أصحاب مقاتل بن سليمان. يقولون أن الله جسم وجثة وصورة على صورة الإنسان ولكن لا يشبه أحد وهذا المذهب لا يقل عن مذهب الروافض الأنجاس السالف الذكر وقيل أن ما ذكر عن مقاتل بن سليمان ليس بصحيح بل نسب إليه أمور لم يثبت أنه كان يقولها ويعتقدها والله أعلم وقد دافع عنه الذهبي كما في السير فالله أعلم.

سادساً: المعطلة من الجهمية والمعتزلة والماتريدية والأشاعرة.  فإنهم يثبتون اليد لله ولكن يؤلونها ويقولون هي القدرة والقوة والملك والنعمة والسلطان والعطاء والرزق والخزائن والبركة والكرامة والعناية وهذا الكلام باطل إذ أنه هذه صفات بعضها مستقلة وبعضهما لم من أثر هذه الصفة.

وهذه التأويلات التي ذكروها لصفة اليدين من التأويلات الباطلة، وهي عين التحريف الذي ذم الله عليه أهل الكتاب الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.

وهذه التأويلات المتقدمة للمعتزلة والأشعرية لصفة اليدين بالنعمة والقدرة والقوة تأويلات باطلة بعيدة عن الصواب بمسافات بعيدة ويرد على الفريقين من وجوه:

الوجه الأول: إن الأصل في الكلام الحقيقة، فدعوى المجاز مخالف للأصل.

الوجه الثاني: أن ذلك خلاف الظاهر فقد اتفق الأصل والظاهر على بطلان هذه الدعوى.

الوجه الثالث: إن اطراد لفظها في موارد الاستعمال وتنوع ذلك وتصريف استعماله يمنع المجاز. ألا ترى إلى قوله: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ  وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ وقوله: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ، فلو كان مجازاً في القدرة أو النعمة لم يستعمل منه لفظ يمين وقوله في الحديث: «المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين»

فلا يقال: هذه يد النعمة، أو القدرة، وقوله «يقبض الله سماواته بيده، والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك»  فههنا هز وقبض، وذكر يدين، ولما أخبر  جعل يقبض يديه ويبسطهما تحقيقاً للصفة لا تشبيهاً لها.

الوجه الرابع: أن مثل هذا المجاز لا يستعمل بلفظ التثنية، ولا يستعمل إلا مفرداً،أو مجموعاً، كقولك: له عندي يد يجزيه الله بها وله عندي أيادي، وأما إذا جاء بلفظ التثنية لم يعرف استعماله قط إلا في اليد الحقيقة.

الوجه الخامس: أن ليس في المعهود أن يطلق الله على نفسه معنى القدرة والنعمة بلفظ التثنية، بل بلفظ الإفراد الشامل لجميع الحقيقة كقوله تعالى: أَنَّ الْقُوَّةَ لله جَمِيعاً وكقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا وقد يجمع الله النعم كقوله وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وأما أن يقول: خلقتك بقدرتين وبنعمتين فهذا لم يقع في كلامه ولا كلام رسوله .

الوجه السادس: أنه لو ثبت استعمال ذلك بلفظ التثنية لم يجز أن يكون المراد هنا القدرة فإنه يبطل تخصيص آدم فإنه وجميع المخلوقات حتى ـ إبليس ـ مخلوق بقدرة الله.

الوجه السابع: أن هذا التركيب المذكور في قوله خَلَقْتُ بِيَدَيَّ يأبى حمل الكلام على القدرة لأنه نسب الخلق إلى نفسه ـ سبحانه ـ ثم عدى الفعل إلى اليد ثم ثناها، ثم أدخل عليها الباء التي تدخل على قولك كتبت بالقلم ومثل هذا نص صريح لا يحتمل المجاز بوجه. [ هذه السبعة ذكرها ابن القيم مختصر الصواعق 2/153 وما بعدها]

قال ابن خزيمة – رحمه الله  تعالى - في صدد رده على الجهمية المؤولين لليد بالنعمة: وزعمت الجهمية والمعطلة أن معنى قوله بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ أي: نعمتاه، وهذا تبديل لا تأويل والدليل على نقض دعواهم هذه أن نعم الله كثيرة لا يحصيها إلا الخالق البارئ ولله يدان لا أكثر منها كما قال لإبليس لعنه الله مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فأعلمنا الله ـ جل وعلا ـ أنه خلق آدم بيديه فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته كان مبدلاً لكلام الله. اهـ. [كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب (ص85 ـ 86)]

وقال العلامة أبو الحسن الأشعري – رحمه الله  تعالى -:

 وقد اعتل معتل بقول الله ـ عز وجل ـ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الأيدي القوة أن يكون معنى قوله «بيدي» بقدرتي وقيل لهم: هذا التأويل فاسد من وجوه آخرها أن «الأيد» ليس بجمع لليد لأن جمع يد التي هي النعمة «أيادي» وإنما قال لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فبطل بذلك أن يكون معنى قوله «بيديَّ» معنى قوله وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وأيضاً فلو كان أراد القوة لكان معنى ذلك بقدرتي وهذا ناقض لقول مخالفنا وكاسر لمذاهبهم لأنهم لا يثبتون قدرة واحدة فيكيف يثبتون قدرتين. اهـ [الإبانة (ص35)]

الوجه الثامن: فهم السياق فلابد من معرفة السياق حتى تفسر الآية المشتملة على الصفة تفسيراً صحيحاً، ومن السياقات الدالة على أن اليد هي صفة حقيقية لله تعالى: أن الله تعالى ذكرها بصيغة التثنية، ولا يوجد في كلام العرب أنهم ذكروا اليد بمعنى النعمة، أو القوة، أو القدرة في سياق التثنية المضافة إلى معين؛ لأن الله يقول: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فجاء ذكر اليدين هنا مثناة ومضافة، ولا يوجد في كلام العرب أنهم يستعملون اليد في غير معنى الصفة إذا جاءت بمثل هذا السياق، ولذلك فإن ابن تيمية رحمه الله  تعالى في أحد مناظراته في صفة اليدين اشترط هذا الشرط، فانقطع المخالف له.

وخلاصة القول مما تقدم في هذا المبحث أن لله ـ تعالى ـ يدين حقيقيتين تليقان بجلاله، وأن ما ورد في شأن اليد من الإمساك والطي والقبض والبسط والخلق باليدين وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده، وكون المقسطين عن يمينه، وتخيير آدم بين ما في يديه وأخذ الصدقة بيمينه يربيها لصاحبها وأنه مسح ظهر آدم بيده إلى غير ذلك مما ورد في شأنها يدل دلالة واضحة على أنها يد حقيقة، كما أخبر بذلك ـ جل وعلا ـ وأن تأويلها بالقدرة، أو النعمة تأويل ظاهر البطلان. [مختصر الصواعق المرسلة (2 /171)]


المسألة الثالثة: وصف أعمال يدي الله تعالى.

قلت: قد ثبت بالأدلة الكثيرة أن من صفات اليدين لله تعالى أمور منها.

الهز.

والدليل: «يقبض الله سماواته بيده، والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك» [البخاري (٧٤٥١)، ومسلم (٢٧٨٦) واللفظ له ]

القبض.

والدليل: والْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.

البسط.

والدليل: وَقَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ.

التقليب.

والدليل: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا»[صحيح الجامع (١٦٨٥)]

الخلق.

والدليل: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ

البناء.

والدليل: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ

الرفع والخفض.

والدليل: «وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ قَوْمًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».[تخريج كتاب السنة (٥٥٠)]

العمل:

والدليل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا.

والطي:

والدليل: والْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.

أن الخير بيده.

والدليل: وَقَالَ: تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

أن الملكوت بيده.

والدليل: فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تَرْجَعُونَ

الأخذ

والدليل: «يَأْخُذُ الْجَبَّارُ، عَزَّ وَجَلَّ، سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ»[مسلم(2788)]

الفوقية:

والدليل: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ

الحثو:

والدليل: «سألت الله الشفاعة لأمتي فقال: لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قلت: رب زدني، فحثى لي بيديه مرتين وعن يمينه وعن شماله».[الصَّحِيحَة: (1879)]

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله  - يقول «وعدني ربي عزّ وجل أن يدخل في الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي عزّ وجل». [أحمد(٢٢٣٠٣)بسند حسن]

فقوله: «وزادَني ثلاثَ حَثَياتٍ»، أي: ثلاثَ غَرفاتٍ بيَدِ الرَّحمنِ، وهو الكريمُ، وإنَّما عبَّرَ بالحَثَياتِ؛ لأنَّ مِن شأْنِ المُعطي إذا اسْتُزِيدَ أنْ يَحْثِيَ بكفَّيْه مِن غيرِ حِسابٍ، وربَّما ناولَهُ مِلْءَ كفٍّ.

والحَثْيةُ ما يَحْثوه الإنسانُ بيَدَيه مِن ماءٍ أو تُرابٍ أو غيرِ ذلك، ويُستعمَلُ فيما يُعْطيه المعطي بكفَّيه دَفعةً واحدةً، وأُريدَ بها الدَّفعاتُ، أي: يُعطي بعدَ هذا العدِّ المنصوصِ عليه ما يَخْفى على العادِّين حَصْرُه وتَعدادُه؛ فإنَّ عَطاءَه الَّذي لا يَضبِطُه الحسابُ أوْفى وأَرْبى مِن النَّوعِ الَّذي يتَداخَلُه الحسابُ، وخاصَّةً أنَّه قال: «مِن حثَياتِ اللهِ عزَّ وجلَّ»، فهؤلاء يَدخُلون الجنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ولا عذابٍ، وقيل: المرادُ: أنَّ عددَ ما يَملَأُ تِلك الحثَياتِ الثَّلاثَ هو مَن يَدخُلُ الجنَّةَ فقط، وقيل: بل المرادُ أنَّ مع كلِّ ألفٍ سَبعينَ ألفًا وثلاثَ حثياتٍ، فيكونُ مجموعُ الحثَياتِ: ثلاثَ حثياتٍ في سَبعين مرَّةً، معَ تنزيهِ اللهِ تعالى عن مُشابَهةِ الخَلْقِ في الحَثْوِ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ ليس كمِثلِه شيءٌ، وكيفيَّةٌ حَثْوِ اللهِ لا يَعلَمُها إلّا اللهُ سبحانه.


المسألة الرابعة: الأشياء التي خلقها الرحمن بيده:

لا يعجز الله شيء، فإذا أراد شيئاً خلقه بكلمة (كن) ، فيكون كما أراد، إلا أنّه خلق بيده أشياء مما يدلّ على تكريمها، ورفع منزلتها، وعناية الله بها، والمخلوقات التي خلقها الله بيده، وذكرها لنا في كتابه أو وردت في سنة رسوله هي:

1- آدم:

وفي ذلك يقول تعالى لإبليس:  ما منعك أن تسجد لما خلقت بِيَدَيَّ .

وفي حدث الشفاعة الطويل: فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسكنك جنته. [البخاري(7440)]


2- كتب التوراة بيده:

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قال رسول الله  -:  تحاجَّ آدمُ وموسى عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ فقال موسى يا آدمُ أنتَ أبونا خلقَك اللَّهُ بيدِه ونفخَ فيكَ من روحِه وأسجدَ لَك ملائِكتَه خيَّبتَنا وأخرجتَنا من الجنَّة فقال آدمُ أنتَ موسى كلَّمَك اللَّهُ تَكليمًا وخطَّ لَك التَّوراةَ بيدِه واصطفاكَ برسالتِه فبِكم وجدتَ في كتابِ اللَّهِ تعالى {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى} قال بأربعينَ سنةً قال فتلومُني على أمرٍ قدَّرَه اللَّهُ عليَّ قبلَ أن يخلقَنيَ بأربعينَ سنةً قال رسولُ اللَّهِ  فحجَّ آدمُ موسى.  [البخاري (٦٦١٤)، ومسلم (٢٦٥٢)]


3- كتب بيده كتاباً موضوعاً عنده:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي  قال: لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده: غلبت - أو قال: سبقت - رحمتي غضبي، فهو عنده فوق العرش. [البخاري(7554)مسلم(2751)]

ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: رحمتي سبقت غضبي. [صحيح سنن ابن ماجة(156)]

في هذا الحديثِ: يقول النبيُّ : «إنَّ اللهَ كَتَب كتابًا قبلَ أن يَخلُقَ الخَلْقَ»، أي: إنَّ اللهَ تعالى كَتَب المقادِيرَ قبلَ أن يَخْلُقَ الخلقَ، ومِمّا كَتَب سبحانه وتعالى وهو عندَه فوقَ العَرْش: أنَّ رحمتَه تعالى سَبَقَتْ غَضَبَه؛ فهو سبحانه وتعالى الغَفُور الرَّحِيم، فكانتْ رحمتُه أسبقَ لعبادِه مِن الغَضَبِ

وورد إثبات كتابة الرحمن الكتاب بيده في كتاب السنة لابن أبي عاصم، ولفظه: لما قضى الله تعالى الخلق كتب بيده في كتاب عنده: غلبت أو قال: سبقت رحمتي غضبي، فهو عنده فوق العرش. [كتاب السنة، لابن أبي عاصم (608)]


4- غرس كرامة أهل الجنة بيده:

عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه –أن رسول الله  قال: سأل موسى ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال هو رجل يجئ بعدما أدْخل أهل الجنة الجنة، فيُقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب، وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من مُلوك الدنيا؟ فيقول: رضيتُ ربّ، فيقول: لك ذلك، ومِثلهُ ومِثلهُ ومِثلهُ، فقال في الخامسة: رضيت ربّ، فيقولُ: هذا لك، وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك فيقول: رضيت ربّ. قال: ربّ فأعلاهُم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، قال: ومصداقه في كتاب الله - عز وجل - فلا تعلم نفسٌ مَّا أُخْفِيَ لهم من قُرَّةِ أعينٍ جزاء بما كانوا يعملون.[مسلم(189)]


المسألة الخامسة: هل توصف يدي الله تعالى أنهما يمين وشمال؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:

أولها: أن كلتا يديه يمين واستدلوا بالحديث الصحيح وكلتا يديه يمين وهو قول الإمام أحمد وابن خزيمة وابن بطة  والبيهقي، والألباني.

عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنه ما مرفوعاً:  "إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يَمِين الرحمن عَزَّ وجَلَّ، وكلتا يديه يَمِين". [مسلم(1827)]

وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما مرفوعاً: "أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيَمِينه، وكلتا يديه يَمِين ... " . رواه: ابن أبي عاصم في [السنة  (106)] وصحَّحَه الألباني.

فالله سُبحانَه تُوصَفُ يَداه باليَمِين والشِّمالِ مِن حيثُ الاسْمِ، كما في حديثِ ابنِ عُمَرَ، وكِلْتاهُما يَمِينٌ مُبارَكَةٌ مِن حيثُ الشَّرَفِ والفضلِ، كما في هذا الحديثِ.

وسئل الشيخ الألباني-رحمه الله  تعالى- في [مجلة الأصالة (ع4، ص 68)] :

"كيف نوفِّق بين رواية: "بشماله" الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنه ما في "صحيح مسلم" وقوله : "وكلتا يديه يَمِين" ؟

الجواب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء؛ فقوله : " ... وكلتا يديه يَمِين" : تأكيد لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله  تأكيدٌ للتنْزيه، فيدُ الله ليست كيدِ البشر: شمال ويَمِين، ولكن كلتا يديه سبحانه يَمِين.

وأمر آخر؛ أنَّ رواية: "بشماله" : شاذة؛ كما بيَّنتها في "تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن" (رقم 1) للمودودي.

ويؤكد هذا أنَّ أبا داود رواه وقال: "بيده الأخرى" ، بدل: "بشماله" ، وهو الموافق لقوله : "وكلتا يديه يَمِين" ، والله أعلم

ثانيها: أنها تسمى الثانية يمين واستدلوا ثم يطوي الأرضين بشماله وهو قول الدارمي ومحمد بن عبد الوهاب.

ثالثها: أنها تسمى الأخرى واستدلوا بحديث ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى.

إنَّ تعليل القائلين بأنَّ إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ يَمِين والأخرى شمال، وأننا إنما نقول: كلتاهما يَمِين؛ تأدباً وتعظيماً؛ إذ الشِّمال من صفات النقص والضعف، قول قوي، وله حظٌ من النظر؛ إلا أننا نقول: إنَّ صفات الله توقيفية، وما لم يأتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في وصف إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ بالشِّمال أو اليَسَار؛ فإننا لا نتعدى قول النبي : « كلتاهما يَمِين». والله أعلم. [صفات الله عز وجل الوادرة في الكتاب والسنة(ص388)]


المسألة السادسة: هل لأصابع الرحمن عدد محدود؟

أما إثبات خمس أصابع لله فلا أراه باطلاً أو بعيداً فقد ثبت في السنة على لسان أعلم الخلق بالله -تعالى- أن لله أصابع في قوله --: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» [ مسلم (2654)] وغيره بألفاظ متقاربة من حديث ابن عمر - رضي الله عنه ما- لكن لم يرد في علمي في الكتاب والسنة عدد أصابع الرحمن محددة والذي ورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ  - فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ. قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ  حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: » وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [البخاري(7451) مسلم(2786)]

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه  -: قَالَ:

مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ  - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ  -: «يَا يَهُودِيُّ حَدِّثْنَا» فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا القَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ عَلَى ذِهْ، وَالأَرْضَ عَلَى ذِهْ، وَالمَاءَ عَلَى ذِهْ، وَالجِبَالَ عَلَى ذِهْ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى ذِهْ - وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ بِخِنْصَرِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ تَابَعَ حَتَّى بَلَغَ الإِبْهَامَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ. [الترمذي (3240) قال الألباني: صحيح]

وجاء في حديث النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ الْكِلَابِيُّ - رضي الله عنه  -:

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  - يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ  - يَقُولُ: « يَا مُثبِّتَ الْقُلُوبِ، ثبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. قَالَ: وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ».[سنن ابن ماجة  (199) قال الألباني: صحيح]

فنحن نثبت أن لله خمس أصابع ولا نكيف ولا نحددها بهذا العدد ولكن لا يجزم بأنه ليس لله غيرها ولا يثبت إذ لا نص فالله تعالى أعلم بذاته تعالى والله أعلم.

المسألة السادسة: هل يوصف الله تعالى بأن له ذراع وساعد؟

لم يأت دليل من الكتاب والسنة يثبت هذا فعليه لا نثبت لله تعالى هذا حتى يأت دليل صحيح صريح والله أعلم.


المرجع/ أحكام الكف ((ص8-22(( نسأل الله أن يسسر بطباعته.

❐أبّوَ مٌحُمٌدِ طِاُهرَ الُسِمٌاوَيَ❐:

     ════ ❁✿❁ ════
https://t.me/taheer77
     ════ ❁✿❁ ════
*✍ إنشـــر.فنشر.العــلم.من.أجل.القربـــات.ms*

تلحين العبادات القولية

  📮التلحين في العبادات القولية. بالنسبه للتلحين في العبادات القولية لا يوجد عبادة من العبادات يشرع فيها التلحين والذي هو مشروع تحسين الصوت ...