الثلاثاء، 4 فبراير 2020

أيها العلماء والدعاة أصلحوا دنياكم ولا تذلوا أنفسكم.


المبحث الثالث عشر: أيها العلماء والدعاة أصلحوا دنياكم ولا تذلوا أنفسكم.

عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ – رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ عَلَيَّ ثِيَابِي وَسِلَاحِي، ثُمَّ آتِيهِ، فَفَعَلْتُ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ إِلَيَّ الْبَصَرَ ثُمَّ طَأْطَأَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَمْرُو، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُغْنِمُكَ اللَّهُ، وَأَرْغَبُ لَكَ رَغْبَةً مِنَ الْمَالِ صَالِحَةً» ، قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أُسْلِمْ رَغْبَةً فِي الْمَالِ، إِنَّمَا أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ فَأَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو، نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ». [قال العلامة الألباني صحيح(299)، المشكاة(3756)]

قال عبد الله بن المبارك: وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقَعُ مَوقِعَ الكَسْبِ عَلَى العِيَالِ شَيْءٌ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ الله. [السير(8/399)].

قال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يعطي منه حقه، ويكف به وجهه عن الناس. [ الحلية (2/173)]

وذكر ابن الجوزي رحمه الله كلاماً نافعاً عذباً أنقله لجودته قال: ليس في الدنيا أنفع للعلماء من جمع المال للاستغناء عن الناس؛ فإنها إذا ضم إلى العلم، حيز الكمال.
وإن جمهور العلماء شغلهم العلم عن الكسب، فاحتاجوا إلى ما لا بد منه، وقل الصبر، فدخلوا مداخل شانتهم، وإن تأولوا فيها، إلا أن غيرها كان أحسن لهم! فالزهري مع عبد الملك، وأبو عبيد مع طاهر بن الحسين، وابن أبي الدنيا مؤدب المعتضد، وابن قتيبة صدر كتابه بمدح الوزير "ابن خاقان".
وما زال خلف من العلماء والزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم، وهؤلاء وإن كانوا سلكوا طريقًا من التأويل؛ فإنهم فقدوا من قلوبهم وكمال دينهم أكثر مما نالوا من الدنيا.
وقد رأينا جماعة من المتصوفة والعلماء يغشون الولاة لأجل نيل ما في أيديهم، فمنهم: من يداهن ويرائي، ومنهم: من يمدح بما لا يجوز، ومنهم: من يسكت عن منكرات، إلى غير ذلك من المداهنات، وسببها الفقر، فعلمنا أن كمال العز، وبعد الرياء، إنما يكون في البعد عن العمال الظلمة.
ولم نر من صح له هذا إلا في أحد رجلين:
أما من كان له مال: كسعيد بن المسيب، كان يتجر في الزيت وغيره، وسفيان الثوري، كانت له بضائع، وابن المبارك.
وأما من كان شديد الصبر، قنوعًا بما رزق، وإن لم يكفه، كبشر الحافي، وأحمد بن حنبل. ومتى لم يجد الإنسان كصبر هذين، ولا كمال أولئك؛ فالظاهر تقلبه في المحن والآفات، وربما تلف دينه.
فعليك -ياطالب العلم- بالاجتهاد في جمع المال للغنى عن الناس؛ فإنه يجمع لك دينك! فما رأينا في الأغلب منافقًا في التدين والتزهد والتخشع ولا آفة طرأت على عالم، إلا بحب الدنيا، وغالب ذلك الفقر. فإن كان من له مال يكفيه، ثم يطلب بتلك المخالطة الزيادة، فذلك معدود في أهل الشره، خارج عن حيز العلماء، نعوذ بالله من تلك الأحوال. [صيد الخاطر(175-176)].
وقد سبقت الإشارة إلى شيء من مواقف السلف رحمهم الله تعالى في عزتهم وعدم ذلتهم للسلاطين وصبرهم على الفقر إن كانوا فقراء، أو العمل في أعمال الدنيا إن كانوا في حاجة إلى ذلك، فهذا كان كاتباً وهذا كان ناسخاً وهذا كان تاجراً وهذا كان مزارعاً وهذا كان له دكاناً وهذا كان سماناً وهذا يبيع الزيت وهذا القماش وهذا يصله بعض العلماء بصله ويعينه وهكذا كانوا أعزة لم يضعوا أنفسهم في مواضع لا تحمد عقباها ولم يبيعوا دينهم ولم يذلوا أنفسهم وهناك نماذج كثيرة جداً.
فهشام الدستوائي: كان يبيع الثياب المجلوبة من دستواء؛ إحدى كور الأهواز ولذلك يقال له: صاحب الدستوائي. [تذكرة الحفاظ(1/124)]

والفضيل بن عياض كان يعيش من صلة ابن المبارك ونحوه من أهل الخير، ويمتنع من جوائز الملوك. [السير(8/442)]
وأبو حنيفة كان كبير الشأن لا يقبل جوائز السلطان بل يتجر ويتكسب. [تذكرة الحفاظ(1/ 127)] كان خزازا يبيع الخز ودكانه معروف في دار عمرو ابن حريث. [السير(6/394)].

والسيرافي العلامة، إمام النحو، أبو سعيد، الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي، صاحب التصانيف، ونحوي بغداد. ان أبو سعيد صاحب فنون، من أعيان الحنفية، رأسا في نحو البصريين، تصدر لاقراء القراءات، واللغة، والفقه، والفرائض، والعربية، والعروض.
وقرأ القرآن على ابن مجاهد، وأخذ اللغة، عن ابن دريد، والنحو عن أبي بكر بن السراج.
وكان دينا متورعا، لا يأكل إلا من كسب يده.
وولي القضاء ببعض بغداد، وكان ينسخ كل يوم كراسا أجرته عشرة دراهم لحسن خطه.[السير(16/247)]



نماذج من إصلاح العلماء معايشهم واستغنائهم عن الأمراء والسلاطين.



قيس بن عاصم.
وعن قيس بن عاصم أنه أوصى بنيه قال: عليكم بالمال واصطناعه، فإنه منبهة للكريم، ويستغني به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس، فإنه آخر كسب الرجل. [موسوعة ابن أبي الدنيا(2/247)].
المُعَافَى بنُ عِمْرَانَ بنِ نُفَيْلِ بنِ جَابِرِ بنِ جَبَلَةَ الأَزْدِيُّ
الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، يَاقُوتَةُ العُلَمَاءِ، أَبُو مَسْعُوْدٍ الأَزْدِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الحَافِظُ.
وقَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً آدَبَ مِنَ المُعَافَى بنِ عِمْرَانَ، وَبَلَغَنَا أَنَّ المُعَافَى كَانَ أَحَدَ الأَسخِيَاءِ المَوْصُوْفِيْنَ، أَفنَى مَالَهُ الجُودُ، كَانَ إِذَا جَاءهُ مَغَلُّهُ، أَرْسَلَ مِنْهُ إِلَى أَصْحَابِهِ مَا يَكفِيْهِم سَنَةً، وَكَانُوا أَرْبَعَةً وَثَلاَثِيْنَ رَجُلاً.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ وُجُوْهِ الأَزْدِ.[السير(9/83)]
قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ المُعَافَى صَاحِبَ دُنْيَا وَاسِعَةٍ، وَضِيَاعٍ كَثِيْرَةٍ، قَالَ مَرَّةً رَجُلٌ: مَا أَشَدَّ البَرْدَ اليَوْمَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ المُعَافَى، وَقَالَ: أَسْتَدْفَأْتَ الآنَ؟ لَوْ سَكَتَّ، لَكَانَ خَيْراً لَكَ.[السير(9/84)]

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ العُتَقِيُّ
مَوْلاَهُمْ عَالِمُ الدِّيَّار المِصْرِيَّة، وَمُفْتِيْهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ العُتَقِيُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِيُّ، صَاحِبُ مَالِكٍ الإِمَامِ.
قال الذهبي: وَكَانَ ذَا مَالٍ وَدُنْيَا، فَأَنْفَقَهَا فِي العِلْمِ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ السُّلْطَانِ، وَلَهُ قَدَمٌ فِي الوَرَعِ وَالتَّأَلُّهِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ امْنَعِ الدُّنْيَا مِنِّي، وَامْنَعْنِي مِنْهَا.
وَبَلَغَنَا عَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الحِجَازِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، أَنْفَقْتُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَعَنِ ابْنِ القَاسِمِ، قَالَ: لَيْسَ فِي قُرْبِ الوُلاَةِ، وَلاَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُم خَيْرٌ. [السير(9/121)]

يحيى بن يسعيد القطان.
قال الذهبي: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ: كَانَ لِيَحْيَى القَطَّانِ نَفَقَةٌ مِنْ غَلَّتِهِ، إِنْ دَخَلَ مِنْ غَلَّتِهِ حِنطَةٌ، أَكَلَ حِنطَةً، وَإِنْ دَخَلَ شَعِيْرٌ، أَكَلَ شعِيْراً، وَإِنْ دَخَلَ تَمرٌ، أَكَلَ تَمراً. [السير(9/181)]

سفيان الثوري.
قال الذهبي - رحمه الله تعالى -:
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَسْبَاطٍ: سُئِلَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهُوَ يَشْتَرِي شَيْئاً، فَقَالَ: دَعنِي، فَإِنَّ قَلْبِي عِنْدَ دِرْهَمِي.
وَرَوَى: مُوْسَى بنُ العَلاَءِ، عَنْ حُذَيْفَةَ المَرْعَشِيِّ، قَالَ:
قَالَ سُفْيَانُ: لأَنْ أُخَلِّفَ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ يُحَاسِبُنِي اللهُ عَلَيْهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحتَاجَ إِلَى النَّاسِ.
وَقَالَ رَوَّادُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ المَالُ فِيْمَا مَضَى يُكْرَهُ، فَأَمَّا اليَوْمَ، فَهُوَ تُرْسُ المُؤْمِنِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَاهِلِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الثَّوْرِيِّ يُشَاوِرُهُ فِي الحَجِّ.
قَالَ: لاَ تَصْحَبْ مَنْ يُكرَمُ عَلَيْكَ، فَإِنْ سَاوَيتَه فِي النَّفَقَةِ أَضَرَّ بِكَ، وَإِنْ تَفَضَّلَ عَلَيْكَ اسْتَذَلَّكَ.
وَنَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَفِي يَدِهِ دَنَانِيْرُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تُمْسِكُ هَذِهِ الدَّنَانِيْرَ؟!
قَالَ: اسْكُتْ، فَلَوْلاَهَا لَتَمَنْدَلَ بِنَا المُلُوْكُ. [السير(7/214)]


ابن جرير الطبري.
قال أبو محمد الفرغاني: كان محمد لا يأخذه في الله لومة لائم مع عظم ما يؤذَى، فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده ورفضه للدنيا وقناعته بما يجيئه من حصة خلفها له أبوه بطبرستان. [تذكرة الحفاظ(2/202)].

المرجع/ تحذير الصالحين من مخالطة السلاطين. ص 65.

❐أبّوَ مٌحُمٌدِ طِاُهرَ الُسِمٌاوَيَ❐:

⏮تابعنا على التليجرام.


https://t.me/taheer77
════ ❁✿❁ ════
*✍ إنشـــر.فنشر.العــلم.من.أجل.القربـــات.ms*

تلحين العبادات القولية

  📮التلحين في العبادات القولية. بالنسبه للتلحين في العبادات القولية لا يوجد عبادة من العبادات يشرع فيها التلحين والذي هو مشروع تحسين الصوت ...