الباب العشرون: وصف نساء الجنة وحورها
المبحث الأول: الحور العين
الحور العين نساء لا يعلم مقدار حسنهن وجمالهن إلا الذي خلقهن، ولكنهن جميلات طيبات حسنات الأخلاق والسيرة، وإذا رآها المؤمن عرف حالها بعد ذلك إذا دخل الجنة رآهن وعرفهن، وعرف أخلاقهن وجمالهن، لكن الآن يعرفن بإخبار النبي عليه الصلاة والسلام، وما ذكر عنهن في القرآن وأنهن حور عين والحوراء البيضاء جميلة وحسنة العين هذا من جمالها، وأما كمال جمالها يعرفه الإنسان إذا دخل الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهلها.
فالمقصود أنهن نساء خلقهن الله جل وعلا لإكرام أهل الجنة ولنعيم أهل الجنة من الرجال، ولا يعلم المادة التي خلقن منها إلا الذي خلقهن الله عز وجل، بخلاف نساء الدنيا فهن من ماء مهين معروفات ويكن في الجنة في غاية من الجمال في الجنة، وتزوج النساء في الجنة على حسب ما تقتضيه أعمالهن الصالحة، فالله جل وعلا هو الكريم الجواد وهو الذي يزوجهن في الجنة، سواءً كن لأزواجهن في الدنيا أو لغير أزواجهن في الدنيا، أما أزواج النبي ﷺ فهن له في الآخرة عليه الصلاة والسلام.[موقع العلامة ابن باز رحمه الله]
لهاك النوم عن طلب الأماني ... وعن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلدا لا موت فيها ... وتلهو في الخيام مع الحسان
تيقظ من منامك إن خيراً .... من النوم التهجد بالقرآن
يزوج الله المؤمنين في الجنة بزوجات جميلات غير زوجاتهم اللواتي في الدنيا، كما قال تعالى -: ﴿ كذالك وزوجناهم بحور عين﴾.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في النونية:
وَإِذَا بَدَتْ فِي حُلَّةٍ مِنْ لُبْسِهَا ... وَتَمَايَلَتْ كَتَمَايُلِ النَّشْوَانِ
تَهْتَزُّ كَالْغُصْنِ الرَّطِيبِ وَحَمْلُهُ ... وَرْدٌ وَتُفَّاحٌ عَلَى رُمَّانِ
وَتَبَخْتَرَتْ فِي مَشْيِهَا وَيَحِقُ ذَا ... كَ لِمِثْلِهَا فِي جَنَّةِ الْحَيَوَانِ
وَوَصَائِفٌ مِنْ خَلْفِهَا وَأَمَامِهَا ... وَعَلى شَمَائِلِهَا وَعَنْ أَيْمَانِ
كَالْبَدْرِ لَيْلَةَ تِمِّهِ قَدْ حُفَّ فِي ... غَسَقِ الدُّجَى بِكَوَاكِبِ الْمِيزَانِ
فَلِسَانِهِ وَفُؤَادِهِ وَالطَّرْفُ فِي ... دَهَشٍ وَإِعْجَابٍ وَفِي سُبْحَانِ
فَالْقَلْبُ قَبْلَ زِفَافِهَا فِي عُرْسِهِ ... وَالْعُرْسُ إِثْرَ الْعُرْسِ مُتَّصِلانِ
حَتَّى إِذَا مَا وَاجَهَتْهُ تَقَابَلا ... أَرَأَيْتَ إِذْ يَتَقَابَلُ الْقَمَرَانِ
فَسَلِ الْمُتَيَّمَ هَلْ يَحِلُّ الصَّبْرُ عَنْ ... ضَمٍّ وَتَقْبِيلٍ وَعَنْ فُلْتَانِ
وَسَلْ الْمُتَيَّمَ أَيْنَ خَلَّفَ صَبْرَهُ ... فِي أَيِّ وَادٍ أَمْ بِأَيِّ مَكَانِ
وَسَلْ الْمُتَيَّمَ كَيْفَ حَالَتُهُ وَقَدْ ... مُلِئَتْ لَهُ الأُذُنَانِ وَالْعَيْنَانِ
مِنْ مَنْطِقٍ رَقَّتْ حَوَاشِيهِ وَوَجْـ ... ـهٍ كَمْ بِهِ لِلشَّمْسِ مِنْ جَرَيَانِ
وَسَلْ الْمُتَيَّمَ كَيْفَ عِيشَتُهُ إِذَا ... وَهُمَا عَلَى فُرَشَيْهِمَا خَلَوَانِ
يَتَسَاقَطَانِ لَئَآلِئًا مَنْثُورَةً ... مِنْ بَيْنِ مَنْظُومٍ كَنَظْمِ جُمَانِ
وَسَلْ الْمَتَيَّمَ كَيْفَ مَجْلِسُهُ مَعَ الْـ... مَحْبُوبَ فِي رَوْحٍ وَفِي رَيْحَانِ
وَتَدُورُ كَاسَاتُ الرَّحِيقِ عَلَيْهِمَا ... بِأَكُفٍّ أَقْمَارٍ مِن الْوِلْدَانِ
يَتَنَازَعَانِ الْكَأْسَ هَذَا مَرَّةً ... وَالْخُودُ أُخْرَى ثُمَّ يَتَّكِئَانِ
فَيَضُمُّهَا وَتَضُمُّهُ أَرَأَيْتَ مَعْـ...شُوقَيْنِ بَعْدَ الْبُعْدِ يَلْتَقِيَانِ
غَابَ الرَّقِيبُ وَغَابَ كُلُّ مُنَكِّدٍ ... وَهُمَا بِثَوْبِ الْوَصْلِ مُشْتَمِلانِ
أَتَرَاهُمَا ضَجِرَيْنِ مِنْ ذَا الْعَيْشِ لا ... وَحَيَاةِ رَبِّكَ مَا هُمَا ضَجِرَانِ
وَيَزِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا حُبًّا لِصَا ... حِبِهِ جَدِيدًا سَائِرَ الأَزْمَانِ
وَوِصَالُهُ يَكْسُوهُ حُبًّا بَعْدَهُ ... مُتَسَلْسِلاً لا يَنْتَهِي بِزَمَانِ
فَالْوَصْلُ مَحْفُوفٌ بِحُبٍّ سَابِقٍ ... وَبِلاحِقٍ وَكِلاهُمَا صِنْوَانِ
فَرْقٌ لَطِيفٌ بَيْنَ ذَاكَ وَبَيْنَ ذَا ... يَدْرِيهِ ذُو شُغْلٍ بِهَذَا الشَّانِ
وَمَزِيدُهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ حَاصِلٌ ... سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالسُّلْطَانِ
فمن صفاتهن التي رودت في القرآن والسنة النبوية -:
حور
قال الله تعالى : ﴿ كَذَ لِكَ وَزَوَّجۡنَـٰهُم بِحُورٍ عِین﴾ وقال الله تعالى -: ﴿ مُتَّكِـِٔینَ عَلَىٰ سُرُر مَّصۡفُوفَة وَزَوَّجۡنَـٰهُم بِحُورٍ عِین﴾ وقال تعالى -: ﴿ حُور مقصورات فِی ٱلۡخِیَامِ﴾ وقال تعالى -: ﴿ وَحُورٌ عِین﴾
وفي «الحُور العِين» لغتان: حُور عِين، وحِير عين، وأنشد:
أزمانَ عيناء سرور المسير ... وحَوْراء عيناء مِنَ العِين الحِير
وقال أبو عبيدة- رحمه الله تعالى-:
الحوراء: الشديدة بياض بياض العَيْن، الشديدة سواد سوادها. [زاد المسير(4/95)]
وقول البخاري- رحمه الله تعالى-:
« شديدة سواد العين وبياضها » زاد غيره: إذا كانت بيضاء. وأصل الحَوَر البياض، وكذلك قيل لنساء الحاضرة: الحواريات « لبيض » ألوانهن وثيابهن إلا أن العرب لا تستعمله إلا للبيضاء الشديدة سواد الحدقة في شدة بياضها.
قَالَ ابن سيده في «محكمه »: الحور هو أن يشتد بياضُ بياضِ العين وسوادُ سوادِها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها، وقيل: الحور: شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض الجسد ولا تكون الأدماء حوراء.
وقال أبو عمرو- رحمه الله تعالى-:
الحور أن تسود العين كلها مثل الظباء والبقر، وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء حور العيون؛ لأنهن يشبهن بالظباء والبقر. وقال كراع: الحور أن يكون البياض محدقًا بالسواد كله، وإنما يكون هذا في البقر والظباء ثم يستعار للناس، وهذا إنما حكاه أبو عبيد في البرج غير أنه لم يقل إنما يكون في الظباء والبقر. وقال الأصمعي: لا أدري ما الحور في العين؟ وقد حَوِر حَوَرًا واحْور، وهو أَحْور، وامرأة حَوْراء، وعين حوراء، والجمع حُور. [التوضيح لشرح الجامع الصحيح(17/359)]
قاصرات الطرف
قوله تعالى -: ﴿ وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾.
قوله«عِنْدَ » ظَرْفُ مَكانٍ قَرِيبٍ وقاصِراتِ الطَّرْفِ أيْ: نِساءٌ قاصِراتُ النَّظَرِ. والطَّرْفُ: النَّظَرُ بِالعَيْنِ، وقَصْرُ الطَّرْفِ تَوْجِيهَهٌ إلى مَنظُورٍ غَيْرِ مُتَعَدِّدٍ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: أنَّهُنَ قاصِراتٌ أطْرافَهُنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ. فالأطْرافُ المَقْصُورَةُ أطْرافُهُنَّ هن.
وإسْنادُ قاصِراتُ إلى ضَمِيرِ «هُنَّ » إسْنادٌ حَقِيقِيٌّ، أيْ: لا يُوَجِّهْنَ أنْظارَهُنَّ إلى غَيْرِهِمْ وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ مَحَبَّتِهِنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: أنَّهُنَّ يَقْصُرْنَ أطْرافَ أزْواجِهِنَّ عَلَيْهِنَّ فَلا تَتَوَجَّهُ أنْظارُ أزْواجِهِنَّ إلى غَيْرِهِنَّ اكْتِفاءً مِنهم بِحُسْنِهِنَّ وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ تَمامِ حُسْنِهِنَّ في أنْظارِ أزْواجِهِنَّ بِحَيْثُ لا يَتَعَلَّقُ اسْتِحْسانُهم بِغَيْرِهِنَّ، فالأطْرافُ المَقْصُورَةُ أطْرافُ أزْواجِهِنَّ، وإسْنادُ «قاصِراتُ » إلَيْهِنَّ مَجازٌ عَقْلِيٌّ إذْ كانَ حُسْنُهُنَّ سَبَبُ قَصْرِ أطْرافِ الأزْواجِ فَإنَّهُنَّ مُلابِساتٌ سَبَبَ القَصْرِ.[التحرير والتنوير(23/175)]
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
وهذا معنى ﴿ قاصرات الطرف﴾ لكن أولئك قاصرات بأنفسهن، وهؤلاء مقصورات، وقوله: «في الخيام» على هذا القول: صفة الحور.
أي هن في الخيام. وليس معمول لمقصورات، وكأن أرباب هذا القول فسروه بأن يكن محبوسات في الخيام لا يفارقنها إلى الغرف والبساتين.
وأصحاب القول الأول: يجيبون عن هذا: بأن الله سبحانه وصفهن بصفات النساء المخدرات المصونات. وذلك أجمل في الوصف. ولا يلزم من ذلك أنهن لا يفارقن الخيام إلى الغرف والبساتين، كما أن نساء الملوك ومن دونهن من النساء المخدرات المصونات يمنعن أن يخرجن في سفر وغيره إلى متنزه وبستان ونحوه فوصفهن اللازم لهن: هو القصر في البيت، وإن كان يعرض لهن مع الخدم الخروج إلى البساتين ونحوها.
وأما مجاهد فقال: مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ.
وقد تقدم وصف النسوة الأول. بكونهن قاصرات الطرف، وهؤلاء بكونهن مقصورات. والوصفان لكلا النوعين، فإنهما صفتا كمال. فتلك الصفة قصر الطرف عن طموحه إلى غير الأزواج، وهذه الصفة قصرهن عن التبرج والبروز والظهور للرجال. [التفسير القيم(507-508)]
عين:
وفي العِين ثلاثة أقوال: أحدها: حِسانُ العُيون، قاله مجاهد. والثاني: عِظام الأعيُن، قاله السدي. وابن زيد. والثالث: كِبار العُيون حِسانُها، وواحدتُهنَّ عَيْناء، قاله الزجاج.
قوله تعالى -: ﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ في المراد بالبيض ها هنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه اللؤلؤ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال أبو عبيدة. والثاني: بَيْضُ النَّعام، قاله الحسن، وابن زيد، والزجاج. قال جماعة من أهل اللغة: والعرب تُشَبِّه المرأةَ الحسناءَ في بياضها وحُسْن لونها بِبَيْضَة النَّعامة، وهو أحسن ألوان النساء، وهو أن تكون المرأة بيضاءَ مُشَرَّبَةٍ صُفْرَةً. والثالث: أنه البَيْض حين يُقْشَر قبل أن تَمَسَّه الأيدي، قاله السدي، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير، وقتادة، وابن جرير.
فأما المكنون، فهو المصون. فعلى القول الأول: هو مكنون في صَدَفِهِ، وعلى الثاني: هو مكنون بريش النَّعام، وعلى الثالث: هو مكنون بقشره. [زاد المسير(3/541)]
كواعب
قال الله تعالى -: ﴿ إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً * وكواعب أترابا﴾
قوله عزّ وجلّ: ﴿ وَكَواعِبَ﴾ قال ابن عباس: الكواعب: النواهد.
ولهم فيها زوجات على مطالب النفوس ﴿ كَوَاعِبَ﴾ وهي: النواهد اللاتي لم تتكسر ثديهن من شبابهن، وقوتهن ونضارتهن.
وكواعب: أي شابات تكعبت ثديهن الواحدة كاعب والجمع كواعب.
وقال الله تعالى -: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً، حَدائِقَ وَأَعْناباً، وَكَواعِبَ أَتْراباً، وَكَأْساً دِهاقاً﴾ أي: إن للذين اتقوا ربهم بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه فوزا وظفرا بالمطلوب، ونجاة من النار، بالاستمتاع بالبساتين ذات الأشجار والأثمار والأعناب اللذيذة الطعم، وبالنساء الحور الكواعب ذوات الأثداء القائمة على صدورهن لم تتكسر ولم تتدلّ، المتساويات في السن، وبتناول الكؤوس المترعة المملوءة بالخمر غير المسكرة.
وعد الله تعالى المتقين الذين اتقوا مخالفة أمر الله بالاستمتاع بالحور الكواعب ذوات النواهد التي تكعبت أثداؤهن، اللدات الأقران في السن، وهذا هو الإشباع الجنسي أو الغريزي.
عن البَرَاءَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الجَنَّةِ». [البخاري(1382)]
أترابا.
قال الله تعالى -: ﴿ عُرُبًا أَتۡرَابا﴾ وقال الله تعالى -: ﴿ وَكَوَاعِبَ أَتۡرَابا﴾ وقال الله تعالى -: ﴿ وَعِندَهُمۡ قَـٰصِرَاتُ ٱلطَّرۡفِ أَتۡرَابٌ﴾
قال العلامة صديق حسن خان – رحمه الله تعالى -:
قوله: ﴿أتراب﴾ أي متحدات في السن والشباب، أو متساويات في الحسن والجمال وقال مجاهد المعنى أنهن متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن ولا يتحاسدن، بنات ثلاث وثلاثين سنة، وقيل لدات آي متقاربات في الولادة، لأن التحاب بين الأقران أثبت أو بعضهن لبعض أو نصف لا عجوز فيهن ولا صبية، قال الشهاب: لدات جمع لدة كعدة أصلها ولد، وهو كالترب من يولد معك في وقت واحد، كأنهما وقعا على التراب في زمن واحد، والأتراب جمع ترب، واشتقاقه من التراب، لأنه يمسهن في وقت واحد، لاتحاد مولدهن والمعاني متقاربة. [فتح البيان(12/57)]
وقال: والأتراب جمع ترب وهو المساوي لك في سنك، لأنه يمس جلدهما التراب في وقت واحد، وهو آكد في الائتلاف، وهو من الأسماء التي لا تنعرف بالإضافة لأنه في معنى الصفة، إذ معناه مساويك، ومثله خدنك لأنه في معنى صاحبك، يقال في النساء أتراب وفي الرجال أقران.[المصدر السابق]
عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: أنَّ نبيَّ اللهِ ﷺ أتتْهُ عجوزٌ من الأنصارِ فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، ادعُ اللهَ أنْ يُدخِلَني الجنَّةَ، فقال نبيُّ اللهِ ﷺ: إنَّ الجنَّةَ لا يدخُلُها عجوزٌ، فذهب نبيُّ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآلهِ وسلم فصلّى، ثمَّ رجع إلى عائشةَ فقالتْ: لقد لقِيَتْ من كلمتكَ مشقَّةً وشدةً. فقال نبيُّ اللهِ ﷺ: إنَّ ذاك كذاك، إنَّ اللهَ تعالى إذا أدخلهنَّ الجنةَ، حولَهنَّ أبكارًا. [السلسلة الصحيحة(2987)].
قال ابن عاشور: والظّاهِرُ أنَّ أتْرابَ وصْفٌ قائِمٌ بِجَمِيعِ نِساءِ الجَنَّةِ مِن مَخْلُوقاتِ الجَنَّةِ ومِنَ النِّساءِ اللّاتِي كُنَّ أزْواجًا في الدُّنْيا لِأصْحابِ الجَنَّةِ، فَلا يَكُونُ بَعْضُهُنَّ أحْسَنَ شَبابًا مِن بَعْضٍ فَلا يَلْحَقُ بَعْضَ أهْلِ الجَنَّةِ غَضٌّ إذا كانَتْ نِساءُ غَيْرِهِ أجَدُّ شَبابًا، ولِئَلّا تَتَفاوَتَ نِساءُ الواحِدِ مِنَ المُتَّقِينَ في شَرْخِ الشَّبابِ، فَيَكُونُ النَّعِيمُ بِالأقَلِّ شَبابًا دُونَ النَّعِيمِ بِالأجَدِّ مِنهُنَّ. [التحرير والتنوير(23/175)]
عرباً.
قال الله تعالى -: ﴿ عُرُبًا أَتۡرَابا﴾
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -:
وَلِلْمُفَسِّرِينَ في مَعْنى «عُرُبًا» خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُنَّ المُتَحَبِّباتُ إلى أزْواجِهِنَّ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ.
والثّانِي: أنَّهُنَّ العَواشِقُ، رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، ومُقاتِلٌ، والمُبَرِّدُ؛ وعَنْ مُجاهِدٍ كالقَوْلَيْنِ.
والثّالِثُ: الحَسَنَةُ التَّبَعُّلِ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ.
والرّابِعُ: الغَنِجاتُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. والخامِسَةُ: الحَسَنَةُ الكَلامِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.[زاد المسير(4/224)]
قلت: وكل هذه المعاني صالحة لهن فقد جمعن الحسن الخلقي والخُلقي.
أبكارا.
قال الله تعالى -: ﴿ فَجَعَلۡنَـٰهُنَّ أَبۡكَارًا﴾
قال العلامة السعدي – رحمه الله تعالى -: صغارهن وكبارهن.
قال العلامة الرازي - رحمه الله تعالى -:
وقَوْلُهُ تعالى -: ﴿ أبْكارًا﴾ يَدُلُّ عَلى الثّانِي؛ لِأنَّ الإنْشاءَ لَوْ كانَ بِمَعْنى الِابْتِداءِ لَعُلِمَ مِن كَوْنِهِنَّ أبْكارًا مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى بَيانٍ ولَمّا كانَ المُرادُ إحْياءَ بَناتِ آدَمَ قالَ: ﴿ أبْكارًا﴾ أيْ نَجْعَلُهُنَّ أبْكارًا وإنْ مِتْنَ ثَيِّباتٍ، فَإنْ قِيلَ: فَما الفائِدَةُ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ ؟ نَقُولُ: الجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ الوَصْفَ بَعْدَها لا يَكُونُ مِن غَيْرِها إذا كُنَّ أزْواجَهم بَيِّنُ الفائِدَةِ؛ لِأنَّ البِكْرَ في الدُّنْيا لا تَكُونُ عارِفَةً بِلَذَّةِ الزَّوْجِ فَلا تَرْضى بِأنْ تَتَزَوَّجَ مِن رَجُلٍ لا تَعْرِفُهُ وتَخْتارُ التَّزْوِيجَ بِأقْرانِها ومَعارِفِها، لَكِنَّ أهْلَ الجَنَّةِ إذا لَمْ يَكُنَّ مِن جِنْسِ أبْناءِ آدَمَ وتَكُونُ الواحِدَةُ مِنهُنَّ بِكْرًا لَمْ تَرَ زَوْجًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ جِنْسِها فَرُبَّما يُتَوَهَّمُ مِنها سُوءُ عِشْرَةٍ فَقالَ: ﴿ أبْكارًا﴾ فَلا يُوجَدُ فِيهِنَّ ما يُوجَدُ في أبْكارِ الدُّنْيا.
الثّانِي: المُرادُ «أبْكارًا » بَكارَةً تُخالِفُ بَكارَةَ الدُّنْيا، فَإنَّ البَكارَةَ لا تَعُودُ إلّا عَلى بُعْدٍ.[مفاتيح الغيب(29//407)]
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - ﷺ -: هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ؟، قَالَ: « نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمًا دَحْمًا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ , فَإِذَا قَامَ عَنْهَا , رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا ». [الصحيحة(367)]
قوله: نصل إلى نسائنا: كناية عن الجِمَاع.
والدَّحْمُ: النكاح والوطء , ودَحَمَ المرأةَ , يَدْحَمُها دَحْماً: نكحها.[لسان العرب(12/196)].
أزواجٌ مُطَهَّـرة
قال الله تعالى -: ﴿ وبَشِّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار كلّما رُزِقوا منها مِن ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزِقنا مِن قبل وأُتُوا به مُتَشابهاً ولهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وهم فيها خالدون﴾
قال ابن القيّم - رحمه الله تعالى -:
فتأمّلْ جلالة المُبَشِّر ومنزلته وصدقه، وعظمة مَن أرسله إليك بهذه البشارة، وقدر ما بشّرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجِنان وما فيها مِن الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المُطَهَّرة، ونعيم القلب وقرّة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه. [حادي الأرواح(283)]
وقال الله تعالى -:﴿ زُيِّنَ للناس حبُّ الشَهَوات مِن النساءِ والبنينَ والقناطيرِ المقنطَرةِ مِن الذهب والفضّة والخيل المُسَوَّمة والأنعامِ والحَرْث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مُطَهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار﴾.
وقال الله تعالى -: ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وندخلهم ظلاً ظليلاً﴾.
فهذه بشارةٌ عظيمة بشّر الله تعالى بها عباده المؤمنين المتّقين فأزواجهم في الجنّة طاهرات مِن كلّ قذرٍ وخبث وآفة، سواء في ذلك ظاهرهنّ وباطنهنّ.
وقال الإمام ابن القيّم - رحمه الله تعالى -:
والمُطَهَّرة التي طُهِّرتْ مِن الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكلّ قذر وكلّ أذى يكون مِن نساء الدنيا فطُهِّر مع ذلك باطنها مِن الأخلاق السيّئة والصفات المذمومة وطُهِّر لسانها مِن الفحش والبذاء وطُهِّر طرفها مِن أن تطمح به إلى غير زوجها وطُهِّرتْ أثوابها مِن أن يعرض لها دنس أو وسخ. [حادي الأرواح(283-284)]
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى -:
وقال الله تعالى -: ﴿ لهم فيها أزواجٌ مطهّرة ﴾ أي مِن الحيض والنفاس والبول والغائط والبصاق والمخاط لا يصدر منهنّ شيءٌ مِن ذلك وكذلك طُهِّرتْ أخلاقهنّ وأنفاسهنّ وألفاظهنّ ولباسهنّ وسجيّتهنّ [النهاية في الفتن والملاحم(2/509)]
وإذا كان هذا وَصْف نساء الجنّة فيا أيّها العاقل اللبيب حيّ على الجنّة بالعمل الصالح، أُبذل جهدك في طاعة الله تعالى وطاعة الرسول ﷺ ، عسى أن تنجو مِن المرهوب، وتفوز بالمرغوب.
وتأمّل قوله تعالى -: ﴿ ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب﴾ لِيُرشد تعالى عباده إلى ثواب الآخرة ويرغّبهم فيه، ولِيَعلموا أنّ الآخرة خيرٌ وأبقى فيتّقوا الله.
قال الإمام ابن القيّم - رحمه الله تعالى – في[ عدّة الصابرين (169-170)] بعد أن ذكر قوله تعالى -: ﴿ زُيِّنَ للناس حبُّ الشهَوات﴾ الآية : فأخبر سبحانه أنّ هذا الذي زيّن به الدنيا مِن ملاذّها وشهواتها، وما هو غاية أماني طُلابها ومُؤثريها على الآخرة، وهو سبعة أشياء: النساء اللاتي هنّ أعظم زينتها وشهواتها وأعظمها فتنة والبنين الذين بهم كمال الرجل وفخره وكرمه وعزّه والذهب والفضّة اللذَين هما مادّة الشهوات على اختلاف أجناسها وأنواعها والخيل المُسَوَّمة التي هي عزّ أصحابها وفخرهم وحصونهم وآلة قهرهم لأعدائهم في طلبهم وهربهم والأنعام التي مِنها ركوبهم وطعامهم ولباسهم وأثاثهم وأمتعتهم وغير ذلك مِن مصالحه والحرث الذي هو مادّة قوتهم وقوت أنعامهم ودوابّهم وفاكهتهم وأدويتهم وغير ذلك.
ثمّ أخبر سبحانه أنّ ذلك كلّه متاع الحياة الدنيا ثمّ شوّق عباده إلى متاع الآخرة، وأعلَمَهم أنّه خيرٌ مِن هذا المتاع وأبقى فقال: ﴿ قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد﴾.
ثمّ ذكر سبحانه مَن يستحقّ هذا المتاع ومَن هم أهله الذين هم أولى به فقال: ﴿ الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار﴾
فأخبر سبحانه أنّ ما أعدّ لأوليائه المتّقين مِن متاع الآخرة خير مِن متاع الدنيا وهو نوعان: ثواب يتمتّعون به، وأكبر منه وهو رضوانه عليهم. [ مُشَوِّقُ الأَرْوَاح إِلَى نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح(4-5)]
متحببات لأزواجهن.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أنَّ رجلًا أسودَ أتى النبيَّ ﷺ فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي رجلٌ أسودُ منتنُ الريحِ قبيحُ الوجهِ لا مالَ لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟ قال: «في الجنة». فقاتَل حتى قُتِلَ. فأتاه النبيُّ فقال: «قد بيَّضَ اللهُ وجهَك، وطيَّبَ ريحَك، وأكثَرَ مالَك وقال لهذا أو لغيرِه فقد رأيتُ زوجتَه من الحُورِ العِينِ نازعَتْه جُبَّةً له من صوفٍ، تدخلُ بينه وبين جُبَّتِه ». [صحيح الترغيب (١٣٨١) صحيح]
الصِّدْقُ مع اللهِ مِن أعظَمِ أنواعِ الصِّدْقِ، وإخلاصُ النِّيَّةِ له في جَميعِ الأعمالِ يَكونُ فيه الخيرُ الكثيرُ، والثَّوابُ الجزيلُ مِنه سُبْحانهُ وَتَعالى.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ الله عنه: «أنَّ رَجُلًا أَتى النَّبيَّ ﷺ فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ اللَّوْنِ قَبيحُ الوَجْهِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ»، أي: هذه صِفاتي الخُلُقيَّةُ والجَسَديَّةُ، وهي صِفاتٌ مُسْتَقْبحَةٌ عندَ الناسِ، «لا مالَ لي»، أي: لا أَملِكُ مالًا يُغْنيني، والمالُ الزائدُ هو مَظِنَّةُ التَّرَفِ أو الإنْفاقُ في وُجوهِ الخَيْرِ، «فإنْ قاتلْتُ هؤلاءِ»، أي: الكُفارَ والمُشْرِكينَ «حتى أُقْتَلَ؛ أَدْخُلُ الجنَّةَ؟»، أي: إنْ قاتلْتُ بعدَ إسلامي مُحْتَسِبًا، فاسْتُشْهِدْتُ هل أَدْخُلُ الجنَّةَ؟ وهذا سُؤالُ مَنْ أرادَ أنْ يَسْتَوْثِقَ لنَفْسِهِ، فقال له النَّبيُّ ﷺ: «نَعَمْ»، أي: إنْ قاتلْتَ وقُتِلْتَ في سَبيلِ اللهِ مُحْتَسِبًا دَخَلْتَ الجنَّةَ، «فَتقَدَّمَ فقاتَلَ حتى قُتِلَ، فأَتى عليه النَّبيُّ ﷺ وهو مَقْتولٌ، فقال: لقد أَحْسَنَ اللهُ وَجْهَكَ، وطيَّب رُوحكَ، وكثَّر مالَكَ»، أي: أعْطاكَ هذه النِّعَمَ من جَمالِ الوَجْه، والرائحَةِ الطَّيِّبةِ، وكَثْرَةِ المالِ، جزاءً لك على الشَّهادةِ في سَبيلِهِ بصِدْقِ نِيَّةٍ؛ ولأنَّه صَدَقَ اللهَ فيما قال صادِقًا مُخلِصًا؛ فَصدَقَهُ اللهُ وأنْجَزَ له ما تَمنّاهُ من الاسْتِشْهادِ في سَبيلِه.
قال أنسٌ - رضِيَ الله عنه -: «وقال لهذا أو لغيْرِهِ»، أي: قال النبيُّ ﷺ وأخبَر عن حالِ هذا الرَّجلِ أو حالِ رجُلٍ غيرِه في الجَنَّةِ، والشكُّ مِن أنسِ بنِ مالكٍ راوي الحديثِ: «لقد رَأَيْتُ زَوْجتيْهِ من الحُورِ العِينِ» مِن نِساءِ الجنَّةِ «يَتَنازَعانِهِ» تَتَجاذبانِ «جُبَّتَهُ عنه» لخَلْعِها أو إزاحتِها عن بَعضِ جِلدِه وجَسَدِه، «تَدْخُلانِ فيما بين جِلْدِهِ وجُبَّتِهِ»، أي: تَتجاذَبُ المرأتانِ مِن الحُورِ العِينِ ثِيابَه فيما بينهما وتتسابقانِ في الدُّخولِ بين ثِيابِه وجِلدِه، تحبُّبًا وتقربًا إليه، كما تتحبَّبَ الزوجاتُ إلى أزواجهنَّ وتُداعِبْنَه، والجُبَّةُ هي نوْعٌ من الثِّيابِ التي تُغطِّي الجَسَدَ كُلَّهُ.
وفي الحديثِ: حِرْصُ الصَّحابةِ على كُلِّ ما يُقرِّبُ مِن اللهِ.
خَيْـراتٌ حِسـان.
قال الله تعالى -: ﴿ فيهنّ خَيْراتٌ حِسان﴾
فالخيرات جمع خَيْرة.وهي مخففة مِن خَيّرة.كسيّدة وليّنة.وحِسان جمع حسنة.فهنّ خيرات الصفات والأخلاق والشيم.حِسان الوجوه. [حادي الأرواح لابن القيّم (290-261)]
وقال ابن القيّم في [ روضة المحبّين (243)]:
وهي التي قد جمعتْ المَحاسن ظاهراً وباطناً، فكمل خَلْقها وخُلُقها.فهنّ خيرات الأخلاق حِسان الوجوه .
ومما يبيّن حُسْنهنّ ما ورد في البخاريّ[سيأتي تخريجه] مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال: لَرَوحةٌ في سبيل الله أو غَدوةٌ خيرٌ مِن الدنيا وما فيها.ولَقَابُ قوْسِ أحدكم مِن الجنّة أو موضع قِيدٍ يعني سَوْطَه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها. ولو أنّ امرأةً مِن أهل الجنّة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض لأضاءتْ ما بينهما ولَمَلأته ريحاً. ولَنَصِيْفها على رأسها خيرٌ مِن الدنيا وما فيها.
وقد ورد ما يدلّ على أنّ نساء الجنّة يزدادون حسناً وجمالاً، ففي صحيح مسلم ( 4/2178 ) عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «إنّ في الجنّة لَسُوْقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهبّ ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً ».[ مُشَوِّقُ الأَرْوَاح إِلَى نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح(6)]
كأَمْثـال اللؤلـؤ المَكْنـون
قال الله تعالى في وصفهنّ وبيان حُسْنِهنّ ﴿ وحورٌ عِينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون ﴾
أي: كأنّهنّ اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه.[ تفسير ابن كثير()4/287].
والمَكْنون هو المَصُون المستور في صَدَفه.
قال ابن القيّم – رحمه الله تعالى –:
في [روضة المحبّين(245)]:
فَخُذْ مِن اللؤلؤ صفاء لونه.وحُسْن بياضه.ونعومة مَلْمَسه. [ مُشَوِّقُ الأَرْوَاح إِلَى نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح(9)]
كأَنّهـنّ بَيْـضٌ مَكْنـون
قال الله تعالى -: ﴿ وعندهم قاصرات الطَّرْف عِيْن كأنّهنّ بَيضٌ مكنون﴾
شبّهَهُنّ الله تعالى بالبَيْض الذي يكنّه الريش مثل بيض النّعام الذي يحضنه الطائر ويستره بريشه مِن الريح والغبار.
وقيل في معنى « البَيْض المَكْنون » إنّه بَطْن البيض وهو الذي داخل القشر.فهذا قول ثان.
وقيل إنّه اللؤلؤ.وبه شُبِّهْنَ في بياضه وصفائه.وهذا قول ثالث.
والمختار هو القول الأوّل. ورجّحه الشوكاني في (فتح القدير). وهو اختيار الآلوسي في ( روح المعاني ).ولم يذكر الشنقيطي في ( أضواء البيان ) غيره. والله تعالى أعلم[ مُشَوِّقُ الأَرْوَاح إِلَى نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح(10)]
كأَنّهـنّ الياقـوتُ والمَرْجـان
قال الله تعالى في وَصْفِهنّ ﴿ كأنّهنّ الياقوت والمَرْجان ﴾
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى -:في [ حادي الأرواح(289)]:
قال الحسن وعامّة المفسّرين: أراد صفاء الياقوت في بَياض المَرْجان. شبّهَهُنّ في صفاء اللون وبياضه بالياقوت والمَرجان.
وقال ابن القيّم رحمه الله تعالى - في [روضة المحبّين(245)]:
وخُذْ مِن الياقوت والمرجان حُسْنَ لونه في صفائه وإشرابه بيسيرٍ مِن الحُمْرة.
عَنْ عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -« أولُ زُمرةٍ يدخلون الجنةَ كأنَّ وجوهَم ضوءُ القمرِ ليلةَ البدرِ، والزمرةُ الثانيةُ على لونِ أحسنَ كوكبٍ دُرِّيٍّ في السماءِ، لكلَّ واحد منهم زوجتان من الحُور العِينِ، على كل زوجةٍ سبعون حُلَّةً، يُرى مُخُّ ساقِها من وراءِ لحومِهما وحُلَلِهما؛ كما يُرى الشرابُ الأحمرُ في الزجاجةِ البيضاءِ. [صحيح الترغيب (٣٧٤٥) صحيح لغيره]
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - : « ِإنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ، ثُمَّ تَأْتِيهِ الْمَرْأَةُ ، فَتَقْرُبُ مِنْهُ ، فَيَنْظُرُ فِي خَدَّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَيَرُدُّ السَّلاَمَ ، وَيَسْأَلُهَا مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا مِنَ الْمَزِيدِ ، وَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا ، فَيَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ، وَإِنَّ عَلَيْهِنَّ التِّيجَانَ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ». [صحيح ابن حبان (٧٣٩٧)].
يُغَنِّيـنَ أزواجهـنّ بِأَحْسَـن أَصـوَات
وقد أخبرنا الرسول - ﷺ - أن الحور العين في الجنان يغنين بأصوات جميلة عذبة.
وَحَدِيثُهَا السِّحْرُ الْحَلالُ لَوْ أَنَّهُ ... لَمْ يَجْنِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ الْمُتَحَرِّزِ
إِنْ طَالَ لَمْ يُمْلَلْ وَإِنْ هِيَ حَدَّثَتْ ... وَدَّ الْمُحَدَّثُ أَنَّهَا لَمْ تُوجِزِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرًا طُولَ الْجَنَّةِ , حَافَّتَاهُ الْعَذَارَى , قِيَامٌ مُتَقَابِلَاتٌ , وَيُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلَائِقُ, حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا » , قُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ , مَا ذَاكَ الْغِنَاءُ؟ , قَالَ: « إِنْ شَاءَ اللهُ التَّسْبِيحُ , وَالتَّحْمِيدُ , وَالتَّقْدِيسُ , وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ - عز وجل - ». [صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب(3751)]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ « إنّ أزواج أهل الجنّة لَيُغَنِّينَ أزواجهنّ بِأحسن أصواتٍ سمعها أحَدٌ قطّ.إنّ مما يُغَنِّينَ به: نحن الخَيرات الحِسان.أزواج قومٍ كِرَام.يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أعْيان.وإنّ مما يُغَنِّينَ به: نحن الخالدات فلا يَمُتْنه.نحن الآمِنات فلا يَخَفْنَه.نحن المُقيمات فلا يَظْعَنَّه ». [الصحيحة (3002)]
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « إِنَّ الحُورَ في الجنةِ يُغَنِّينَ يَقُلْنَ: نحنُ الحُورُ الحِسانُ، هُدِينا لِأَزْواجٍ كَرامٍ » . [صحيح الترغيب (٣٧٥٠)]
أعَدَّ اللهُ عزَّ وجلَّ لعِبادِه الصّالِحيَن في الجَنَّةِ ما لا عَينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خطَرَ على قَلبِ بَشَرٍ؛ ففيها النَّعيمُ الذي لا يَنقطِعُ، ومن هذه النِّعَمِ ما وَرَدَ في هذا الحديثِ، حيث يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «إنَّ الحُورَ العِينَ» والحُورُ العِينُ هُنَّ نِساءُ أهلِ الجَنَّةِ، والحُورُ جَمعُ حَوراءَ، وهي: الشَّديدةُ بَياضِ العَينِ، الشَّديدةُ سَوادِها، والعَينُ جَمعُ عَيناءَ، وهي الواسعةُ العَينِ؛ فهذه النِّساءُ الجميلةُ «لَتُغنِّينَ في الجَنَّةِ»، أي: تَنشُدْنَ الأغانيَ في الجَنَّةِ، فتقولُ«: نحن الحُورُ الحِسانُ .. خُبِئْنا لِأزَواجٍ كِرامٍ » ، أي: خَلَقَنا اللهُ عزَّ وجلَّ لأهلِ الطّاعةِ في الدُّنيا الذين عاشوا على طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وخرَّج البَيهَقيُّ في البَعثِ والنُّشورِ عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: «إنَّ في الجَنَّةِ نَهَرًا طُولَ الجَنَّةِ، حافَّتاهُ العَذارى قِيامٌ مُتقابِلاتٌ، ويُغنِّينَ بأحسَنِ أصواتٍ يَسمَعُها الخَلائِقُ، حتى ما يَرَونَ أنَّ في الجَنَّةِ لَذَّةً مِثلَها، قُلنا: يا أبا هُرَيرَةَ، وما ذلك الغِناءُ؟ قال: «إنْ شاءَ اللهُ التَّسبيحُ، والتَّحميدُ، والتَّقديسُ، وثَناءٌ على الرَّبِّ عزَّ وجلَّ».
وفي الحديثِ: بيانُ النَّعيمِ الذي أعدَّه اللهُ للمُتَّقينَ في الجَنَّةِ؛ لحَثِّ النّاسِ على العَمَلِ الصالِحِ؛ للفَوزِ بنَعيمِ اللهِ وجَنَّتِه
ما ظن سامعه بصوت أطيب .... الأصوات من حور الجنان حسان
نحن النواعم والخوالد خيرا .... ت كاملات الحسن والإحسان
لسنا نموت ولا نخاف وما لنا .... سخط ولا ضغن من الأضغان
طوبى لمن كن له وكذاك طو .... بى للذي هو حظنا لفظان
لا يموتن أبدا.
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -:
والجنة والنار مخلوقتان اليوم لا تفنيان أبدا، ولا تموت الحور العين أبدا، ولا يفنى عقاب الله وثوابه سرمدا. [الفقه الأكبر(305)]
قوة جمالها وطيب ريحها وحسن منظرها وطيب تبعلها.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: « لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ , لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَطَابَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ». [البخاري(6199)].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى -:
والمُخّ ـ بضمّ الميم وتشديد المعجمة ـ: ما في داخل العظم.والمراد به وصفها بالصفاء البالغ.وأنّ ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد. [فتح الباري (6/401)].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - ﷺ - قال: « لِلرَّجُل مِن أهل الجنّة زوجتان مِن الحُوْر العِيْن على كلّ واحدةٍ سبعون حُلَّة يرى مُخّ ساقها مِن وراء الثياب » .[أحمد (2/345) وإسناده صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «ما في الجنّة أحَدٌ إلا لَهُ زوجتان.إنّه ليرى مخّ ساقهما مِن وراء سبعين حُلَّة ما فيها مِن عزب ». [السنن(931)وإسناد صحيح]
فَلَوْ أَنَّ حُورًا فِي الدَّيَاجِي تَبَسَّمَتْ ... تَجَلَّى دُجَى الظَّلْمَاءِ فِي الأَرْضِ نُورُهَا
وَلَوْ مُزِجَ الْمَاءُ الأُجَاجُ بِرِيقِهَا .... لأَصْبَحَ عَذْبًا سَلْسَبِيلاً بِحُورُهَا.
يلبسن أجمل الملابس.
يَا عَاشِقًا لِلْغَوَانِي مُغْرَمًا بِهَوَى ...دَارِ الْغُرُورِ وَعَيْشٍ شِيبَ بِالْكَدَرِ
إِنَّ الْغَوَانِي الْحِسَانَ الْحُورَ مَسْكَنُهَا ... دَارُ السُّرُورِ عَلَى فُرشٍ عَلَى السُّرُرِ
فِي سُنْدُس الْفُرْشِ أَقْمَارٌ عَلَى سُرُرٍ ... مِن الْيَواقِيتِ فِي قَصْرٍ مِن الدُّرَرِ
يُشَاهِدُ الْمُخَّ فِي السَّاقَينِ نَاظِرُهَا ... مِنْ فَوْقِ سَبْعِينَ مَلْبُوسًا مِن الْحِبَرِ
قَدْ طِلْنَّ شَوْقًا إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ كَمَا ... يَشْتَاقُ لِلْغَائِبِ الْمَحْبُوبِ فِي السَّفَرِ
1- خمارها.
عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِي، فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ لَهَا: «هَبِلْتِ، أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى» , وَقَالَ: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا , وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا , وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِي الخِمَارَ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [البخاري(6567)]
قال الإمام ابن الأمير الصنعاني - رحمه الله تعالى -:
قوله: «ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة » إلى الأرض كأنه ضمن اطلع معنى نظر أي اطلعت ناظرة إلى الأرض ويحتمل أنه يتعدى اطلع بإلى اطلع إلى إله موسى ولعلي أطلع عليه. «لملأت ما بينهما » أي بين السماء والأرض وإن لم يتقدم ذكر للسماء إلا أنه يعرف بذكر مقابلتها أعني الأرض أو ما بين الجنة والأرض «ريحاً » عرفاً طيباً. «ولأضاءت » أنوار جمالها ما بينهما «ولنصيفها » بفتح النون وكسر المهملة فمثناة تحتية ففاء الخمار على رأسها «خير من الدنيا وما فيها » أخبر عن طيب ريحها ثم عن أنوار جمالها ثم عن ظاهر ملبوسها فكيف بجمالها وباطن ملبوسها اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل. [التنوير شرح الجامع الصغير(9/65)]
قوله: «ولَنَصيفُها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها » ، قال في «الصحاح«: (النَّصيف): الخِمَار، قال النابغة:
سَقَطَ النَّصيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَه ... فَتَنَاوَلَتْه واتَّقتْنا باليدِ
أي: أمسكته بيدها. [المفاتيح شرح المصابيح(6/6)]
هذا النصيف خير من الدنيا وما فيها فكيف بصاحبة النصيف وجمالها وطيب ريحها وحلاوة مذاقها بل فكيف بالجنة والله أنه لا يتغافل بالدنيا عن الجنة إلا محروم نسأل الله من فضله.
2- الحلل
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ على صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، والذينَ على إثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إضاءَةً، قُلُوبُهُمْ على قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ، لا اخْتِلافَ بيْنَهُمْ ولا تَباغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ منهمْ زَوْجَتانِ، كُلُّ واحِدَةٍ منهما يُرى مُخُّ ساقِها مِن وراءِ لَحْمِها مِنَ الحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وعَشِيًّا، لا يَسْقَمُونَ، ولا يَمْتَخِطُونَ، ولا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشاطُهُمُ الذَّهَبُ، ووَقُودُ مَجامِرِهِمُ الألُوَّةُ - قالَ أَبُو اليَمانِ: يَعْنِي العُودَ -، ورَشْحُهُمُ المِسْكُ ». [البخاري (٣٢٤٦)]
يَصِفُ النَّبيُّ ﷺ أهلَ الجنَّةِ جميعًا بالحُسنِ والجمال، وأنَّهم يَتفاوَتونَ في ذلك حسَبَ درجاتِهم وأعمالهم؛ فأوَّلُ طائفةٍ تدخُلُ الجنَّةَ كالقمرِ ليلةَ البدر، وهي ليلةُ الرّابعَ عشرَ حين تكمُل استدارتُه، ويَتِمُّ نورُه، فيكون أكثرَ إشراقًا، وأعظَمَ حُسنًا وبهاءً. أمّا الطّائفةُ الثّانية، فإنَّها تُشبِهُ في صورتِها أقْوى الكواكبِ نورًا وضياءً. أمّا صِفاتُهم النَّفسيَّة والخُلقيَّةُ، فهم كما وصَفَهم ﷺ: على قَلْبِ رجُلٍ واحد، أي: في غايةِ الاجتماعِ والاتِّفاق، حتّى كأنَّ قلوبَهم جميعًا قلبٌ واحد، لا اختِلافَ بينهم ولا تباغُضَ، أي: إنَّ نفوسَهم صافيةٌ نقيَّة خاليةٌ مِن العداوة والبَغضاء، عامرةٌ بالحبِّ والمودَّة. لكلِّ امرئٍ منهم زوجتانِ، أي: لكلِّ واحدٍ منهم زَوجتانِ، يُرى مُخُّ ساقِها مِن وراءِ اللَّحمِ مِن الحُسن؛ فهي - لِصفاء جسدِها، ورقَّة بَشَرَتِها- جِسمٌ شفّاف ِيَكشِفُ عمّا بداخِلِه، فيَرى النّاظرُ إليها مُخَّ عظامِ ساقِها مِن وراءِ لحمِها. يُسبِّحونَ اللهَ بُكرةً وعشيًّا، أي: في أوَّل النَّهار وآخِرِه، والمراد أنَّهم يُسبِّحونَ في وقتهما، وإلّا فلا بُكرةَ ثمَّةَ ولا عشيَّةَ. أمّا هذا التَّسبيحُ، فإنَّه ليس عن تكليف؛ وإنَّما يُلهَمونَه كما يُلهَمونَ النَّفَسَ. لا يَسقَمونَ، أي: لا يَمرَضونَ فيها، ولا يَمْتخِطونَ ولا يَبصُقونَ؛ لأنَّ اللهَ طهَّرَ أهلَ الجنَّةِ مِن هذه الأقذارِ، آنيتُهم الذَّهبُ والفِضَّة، أي: بعضُ أوانيهم فضِّيَّةٌ، وبعضُها ذهبيَّةٌ، وأمشاطُهم الذَّهبُ، أي: مِن الذَّهب الخالِص، وَقُودُ مَجامِرِهم الأَلُوَّةُ؛ يعني أنَّ بَخُورَهم الذي تتَّقدُ به مجامرُهم هو العُودُ الهنديُّ، الذي هو مِن أطيبِ الطِّيبِ وأَزكى البَخور.
3- حلة لا تقوم لها الدنيا.
عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: أن رسول الله ﷺ قال: «أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأحسن كوكب دري في السماء، لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقها من رواء لحومهما وحللهما كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء». [صحيح الترغيب (٣٧٤٥)]
كيفية جماع الحور العين.
قال الله تعالى -: ﴿ إِنَّ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡیَوۡمَ فِی شُغُل فَـٰكِهُونَ﴾
قال العلامة صديق حسن خان رحمه الله تعالى -:
قوله تعالى -: ﴿ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل ﴾ لما هم فيه من اللذات التي هي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، عن الاهتمام بأمر الكفار ومصيرهم إلى النار، وإن كانوا من قراباتهم، والأولى عدم تخصيص الشغل بشيء معين والشغل هو الشأن الذي يصد المرء ويشغله عما سواه من شؤونه، لكونه أهم عنده من الكل، إما لإيجابه كمال المسرة والبهجة، أو كمال المساءة والغم، والمراد هنا هو الأول وما فيه من التنكير والإبهام للإيذان بارتفاعه عن رتبة البيان.
وقال قتادة ومجاهد: شغلهم ذلك اليوم بافتضاض العذارى وبه قال ابن عباس وابن مسعود وعكرمة، وعن ابن عمر: « أن المؤمن كلما أراد زوجة وجدها عذراء « وقد روي نحوه مرفوعاً. وعن ابن عباس أيضاًً قال في ضرب الأوتار، وقال أبو حاتم: هذا لعله خطأ من المستمع، وإنما هو افتضاض الأبكار على شط الأنهار تحت الأشجار.
وقال وكيع: شغلهم بالسماع، وقال ابن كيسان بزيارة بعضهم بعضاً، وقيل: شغلهم كونهم ذلك اليوم في ضيافة الله الجبار، وقيل: شغلهم عما فيه أهل النار على الإطلاق أو عن أهاليهم في النار، لا يهمهم أمرهم، ولا يبالون بهم كيلا يدخل عليهم تنغيص في نعيمهم، والمراد به ما هم فيه من فنون الملاذ التي تلهيهم عما عداها بالكلية.
وأما أن المراد به افتضاض الأبكار أو السماع أو ضرب الأوتار أو التزاور أو ضيافة الجبار كما روي كل واحد منها عن واحد من أكابر السلف فليس مرادهم بذلك حصر شغلهم فيما ذكروه فقط، بل بيان أنه من جملة أشغالهم وتخصيص كل منهم من تلك الأمور بالذكر محمول على اقتضاء مقام البيان إياه. قرىء: شغل بضمتين وبضم الشين وسكون الغين وهما لغتان كما قال الفراء، وقرىء: بفتحتين وبفتح الشين وسكون الغين.
﴿ فاكهون﴾ وقرىء فاكهين وفكهون قال الفراء: هما لغتان كالفارة والفرة والحاذر والحذر، وقال الكسائي وأبو عبيدة: الفاكه والفاكهة مثل تامر، ولابن، والفكه والمتفكه المتنعم.
وقال قتادة: الفكهون المعجبون، وقال أبو زيد: يقال: رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكاً، وقال مجاهد والضحاك كما قال قتادة، وقال السدي كما قال الكسائي، وقال ابن عباس: فاكهون فرحون. وقيل: ناعمون متلذذون في النعمة من الفكاهة وهي التمتع والتلذذ مأخوذ من الفاكهة وفسرها زاده بطيب العيش والنشاط. [فتح البيان(11/308)]
أولاً: الرجل يعطى قوة عجيبة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: « يُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجِمَاعِ » ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَيُطِيقُ ذَلِكَ؟ , قَالَ: « يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ ». [المشكاة(5636) صحيح].
ثانياً: يكون ذلك بعنف وقوة للذته وطيبه.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - ﷺ -: هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ ؟، قَالَ: « نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمًا دَحْمًا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ , فَإِذَا قَامَ عَنْهَا , رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا » [الصحيحة(3351)]
ثالثاً: لذة الجماع متصلة ليس فيها ملل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سُئِل رسولُ اللهِ ﷺ هل يمَسُّ أهلُ الجنةِ أزواجَهم قال فقال نعم « بذَكَرٍ لا يَمَلُّ وفرجٌ لا يحْفى وشهوةٌ لا تنقطِعُ ». [السلسلة الصحيحة (1٧/106)]
رابعاً: تكون بكراً وترجع بكراً.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - ﷺ -: هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ ؟، قَالَ: « نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمًا دَحْمًا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ , فَإِذَا قَامَ عَنْهَا , رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا». [الصحيحة(3351)]
خامساً: كثرة الجماع.
قال الفخر الرازي رحمه الله تعالى -:
وقَوْلُهُ: ﴿ فِي شُغُلٍ﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
أحَدُها: في شُغُلٍ عَنْ هَوْلِ اليَوْمِ بِأخْذِ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنَ الثَّوابِ، فَما عِنْدَهم خَبَرٌ مِن عَذابٍ ولا حِسابٍ، وقَوْلُهُ: ﴿ فاكِهُونَ﴾ يَكُونُ مُتَمِّمًا لِبَيانِ سَلامَتِهِمْ فاللَّهُ لَوْ قالَ: {في شُغُلٍ} جازَ أنْ يُقالَ هم في {شُغُلٍ} عَظِيمٍ مِنَ التَّفَكُّرِ في اليَوْمِ وأهْوالِهِ، فَإنَّ مَن يُصِيبُهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ ثُمَّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ أمْرٌ مِن أُمُورِهِ ويُخْبَرُ بِخُسْرانٍ وقَعَ في مالِهِ، يَقُولُ أنا مَشْغُولٌ عَنْ هَذا بِأهَمَّ مِنهُ، فَقالَ: ﴿ فاكِهُونَ﴾ أيْ شُغِلُوا عَنْهُ بِاللَّذَّةِ والسُّرُورِ لا بِالوَيْلِ والثُّبُورِ.
وثانِيها: أنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيانًا لِحالِهِمْ ولا يُرِيدُ أنَّهم شُغِلُوا عَنْ شَيْءٍ بَلْ يَكُونُ مَعْناهُ هم في عَمَلٍ، ثُمَّ بَيَّنَ عَمَلَهم بِأنَّهُ لَيْسَ بِشاقٍّ، بَلْ هو مُلِذٌّ مَحْبُوبٌ.
وثالِثُها: في شُغُلٍ عَمّا تَوَقَّعُوهُ فَإنَّهم تَصَوَّرُوا في الدُّنْيا أُمُورًا، وقالُوا: نَحْنُ إذا دَخَلْنا الجَنَّةَ لا نَطْلُبُ إلّا كَذا وكَذا، فَرَأوْا ما لَمْ يَخْطُرْ بِبالِهِمْ فاشْتَغَلُوا بِهِ.[مفاتيح الغيب(26/294)]
وقال: وفِيهِ لَطِيفَةٌ أيْضًا، وهي أنَّ حالَ المُكَلَّفِ، إمّا أنْ يَكُونَ اخْتِلالُها بِسَبَبِ ما فِيهِ مِنَ الشُّغُلِ، وإنْ كانَ في مَكانٍ عالٍ كالقاعِدِ في حَرِّ الشَّمْسِ في البُسْتانِ المُتَنَزَّهِ، أوْ يَكُونَ بِسَبَبِ المَكانِ، وإنْ كانَ الشُّغُلُ مَطْلُوبًا كَمُلاعَبَةِ الكَواعِبِ في المَكانِ المَكْشُوفِ، وإمّا أنْ يَكُونَ بِسَبَبِ المَأْكَلِ كالمُتَفَرِّجِ في البُسْتانِ إذا أعْوَزَهُ الطَّعامُ، وإمّا بِسَبَبِ فَقْدِ الحَبِيبِ، وإلى هَذا يُشِيرُ أهْلُ القَلْبِ في شَرائِطِ السَّماعِ بِقَوْلِهِمُ: الزَّمانُ والمَكانُ والإخْوانُ فَقالَ تعالى -: ﴿ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ﴾ إشارَةً إلى أنَّهم لَيْسُوا في تَعَبٍ وقالَ: ﴿ هم وأزْواجُهُمْ﴾ إشارَةً إلى عَدَمِ الوَحْدَةِ المُوحِشَةِ وقالَ: ﴿ فِي ظِلالٍ عَلى الأرائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ إشارَةً إلى المَكانِ وقالَ: ﴿ لَهم فِيها فاكِهَةٌ ولَهم ما يَدَّعُونَ﴾ إشارَةً إلى دَفْعِ جَمِيعِ حَوائِجِهِمْ[المصدر السابق]
قال المباركفوري - رحمه الله تعالى -:
قَالَ فِي اللَّمَعَاتِ : أَيْ قُوَّةَ جِمَاعِ كَذَا وَكَذَا مِنْ النِّسَاءِ ، فَكَذَا وَكَذَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَدِ النِّسَاءِ كَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ مَثَلًا فَافْهَمْ اِنْتَهَى . وَقِيلَ كِنَايَةٌ عَنْ مَرَّاتِ الْجِمَاعِ كَعِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ مِائَةً وَنَحْوِهَا
قوله: ( أَوَيُطِيقُ ذَلِكَ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ يُعْطَى تِلْكَ الْقُوَّةَ وَيَسْتَطِيعُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْجِمَاعِ ( يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ ) أَيْ مِائَةِ رَجُلٍ . وَالْمَعْنَى فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ يُطِيقُ ذَلِكَ .[تحفة الأحوذي(6/327)]
قلت: التبادر لمعنى الآية ولما ذكره الفخر أن الشغل والانشغال بالنعم الكثيرة من صفات أهل الجنة وأنهم في شغل والذي لفت أنتباهي المعنى العظيم لهذه الآية الكريمة فقد بينت بعض أحوال أهل الجنة أنهم في ضلال خارج القصور والخيام تحت الأشجار الجميلة مع الأزواج في جلسة جميلة سعية منشغلون بالخير الذي وهبه الله لهم مع سائر المطاعم والمشارب الذي يتخلل ذلك الجماع على تلك الحالة الجميلة والجلسة المؤنسة فلا إله إلا الله نسأل الله من فضله.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « يُعْطى المؤمنُ في الجنةِ قُوَّةَ مِائةٍ في النساءِ ». [صحيح الجامع (٨١٠٦) صحيح]
المبحث الثاني: أسباب نيل الحور العين:
1- الشهادة في سبيل الله.
عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « للشهيدِ عندَ اللهِ سبعُ خِصالٍ: يُغفَرُ لهُ في أوَّلِ دُفعةٍ من دَمِه، ويُرى مَقعدَهُ من الجنةِ، ويُحلّى حُلَّةَ الإيمانِ، ويُزوَّجُ اثنينِ وسبعينَ زوجةً من الحُورِ العينِ، ويُجارُ من عذابِ القبرِ، ويأمَنُ الفزعَ الأكبرَ، ويُوضَعُ على رأسِه تاجُ الوقارِ، الياقُوتةُ مِنهُ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُشفَّعُ في سبعينَ إنْسانًا من أهلِ بيتِهِ ». [صحيح الجامع (٥١٨٢) وصححه الإمام الوادعي في كتاب الشفاعة (148)]
وكان عَمّارَ بنَ ياسرٍ بصِفِّينَ باليَومِ الَّذي قُتِلَ فيه وهو يُنادي: أُزلِفَتِ الجَنَّةُ، وزُوِّجَتِ الحُورُ العِينُ، اليَومَ نَلْقى حبيبَنا محمَّدًا ﷺ. وفي روايةٍ: نَلقى الأَحِبَّه، محمَّدًا وحِزْبَه. عَهِدَ إليَّ أنَّ آخِرَ زادِكَ مِنَ الدُّنيا ضَيْحٌ مِن لَبَنٍ . [السلسلة الصحيحة (٧/ ٦٦٢)].
عن يزيدِ بنِ شجَرةَ قال: « يا أيها الناسُ ! اذكُروا نعمةَ اللهِ عليكم، ما أحسنَ نعمةَ اللهِ عليكم، ترى من بين أخضرَ وأحمرَ وأصفرَ وفي الرِّحالِ، ما فيها. وكان يقولُ: إذا صَفّ الناسُ للصلاةِ، وصُفُّوا للقتالِ، فُتِحَتْ أبوابُ السماءِ وأبوابِ الجنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النّارِ، وزُيِّنَ الحورُ العينُ واطَّلَعْنَ، فإذا أقبلَ الرجُلُ قلنَ: اللهمَّ انصُرْه، وإذا أدْبَر احتجَبْن منه وقلنَ اللهمَّ: اغفِرْ له، فأَنهَكوا وجوهَ القومِ فداءً لكم أبي وأمي، ولا تُخزوا الحورَ العِينَ فإنَّ أولَ قطرةٍ تنضَحُ من دمِه يُكفَّرُ عنه كلُّ شيءٍ عمِلَه، وتنزلُ إليه زوجتانِ من الحورِ العِينِ يمسحانِ التُّرابَ عن وجهِه، ويقولان: قد آنَ لك، ويقول: قد آن لكما. ثم يُكسى مئةَ حُلَّةٍ، ليس من نسيجِ بني آدمَ، ولكن من نبْتِ الجنَّةِ، لو وُضِعْنَ بين إصبِعَينِ لوَسِعْنَ. وكان يقول: نُبِّئتُ أنَّ السيوفَ مفاتيحُ الجنَّةِ ». [صحيح الترغيب (١٣٧٧) صحيح]
2- كتم الغيظ.
عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: « مَنْ كتَمَ غيظًا، وهو قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَهُ، دعاه اللهُ على رؤوسِ الخلائِقِ، حتّى يخيِّرَهُ مِنَ الحورِ العينِ يُزَوِّجُهُ منها ما يشاءُ ». [صحيح الجامع (٦٥١٨) صحيح].
أثْنى الله تعالى على الكاظِمينَ الغيظَ والعافِين عِن النّاسِ، وأحبَّهم بإحسانِهم، وفي هذا الحَديثِ يُبيِّن النَّبيُّ ﷺ فضْلَ مَن يكْظِم غيظَه فيقول: «مَن كظَم غيظًا » أيْ: احتملَ الغضبَ في نفسِه وأمسَك عليه ولَم يُخرِجْه، « وهُو قادِرٌ على أن يُنْفِذه » أيْ: وهو قادِرٌ على أن يَنتَصِر لنفسِه، وإمضاءِ غضبِه، « دعاه الله عزَّ وجلَّ على رُؤوس الخَلائِق يومَ القيامةِ » أيْ: تباهى اللهُ به يومَ القيامةِ، وشهَرَه بيْن النّاسِ بأنَّه صاحِبُ هذه الخَصْلَةِ العظيمةِ؛ وذلك لأنَّه قهَر النفسَ الأمّارةَ بالسُّوءِ، وتغلَّب عليها، وتجرَّع مرارَةَ الصَّبرِ في ذاتِ الله، «حتّى يُخَيِّرَه الله مِن الحُورِ ما شاءَ » أي: حتّى يُدْخِلَه الجَنَّة، ويَأخُذَ ما أَعْجبَه مِن نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ، وفي هذا مِن الرِّفْعة والمَكانَة ما لا يعلمُه إلا اللهُ.
الملحق
المسألة الأولى: زوجة المؤمن في الدنيا زوجته في الآخرة إذا كانت مؤمنة.
إذا دخل المؤمن الجنة، فإن كانت زوجته صالحة، فإنها تكون زوجته في الجنة أيضاً: ﴿ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ءابائهم وأزواجهم وذرياتهم﴾ ، وهم في الجنات منعمون مع الأزواج، يتكئون في ظلال الجنة مسرورين فرحين ﴿ هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون﴾، ﴿ أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون﴾ .
المسألة الثانية: المرأة لآخر أزواجها
عن أبي الدرداء – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: « المرأة في آخر أزواجها، أو قال: لآخر أزواجها » [السلسلة الصحيحة(١٢٨١) صحيح الجامع (٦٦٩١)]
وعن حذيفة قال لزوجته: « إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة، فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا » [ قال شعيب الأرناؤوط في تخريج سير أعلام النبلاء (٢/ ٢٠٨) رجاله ثقات].
فلذلك حرم الله على أزواج النبي - ﷺ - أن ينكحن من بعده، لأنهن أزواجه في الآخرة.
والمرأة لا تخرج عن هذه الحالات في الدنيا فهي:
1 - إما أن تموت قبل أن تتزوج.
2 - وإما أن تموت بعد طلاقها قبل أن تتزوج من آخر.
3 - وإما أن تكون متزوجة ولكن لا يدخل زوجها معها الجنة - والعياذ بالله -
4 - وإما أن تموت بعد زواجها.
5 - وإما أن يموت زوجها وتبقى بعده بلا زوج حتى تموت.
6 - وإما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره.
هذه حالات المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة:
1 - فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج فهذه يزوجها الله - عزوجل - في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله ﷺ: «ما في الجنة أعزب » – [ مسلم(2834)] –
قال الشيخ ابن عثيمين: إذا لم تتزوج - أي المرأة - في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة .. فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم: الزواج.
2 - ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة.
3 - ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة.
قال الشيخ ابن عثيمين: فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال.
أي فيتزوجها أحدهم.
4 - وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي - في الجنة - لزوجها الذي ماتت عنه.
5 - وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة.
6 - وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون لآخر أزواجها مهما كثروا لقوله ﷺ: المرأة لآخر أزواجها.
المسألة الثالثة: ورد في الدعاء للجنازة أننا نقول «وأبدلها زوجا خيرا من زوجها» فإذا كانت متزوجة .. فكيف ندعوا لها بهذا ونحن نعلم أن زوجها في الدنيا هو زوجها في الجنة وإذا كانت لم تتزوج فأين زوجها؟
والجواب:
إن كانت غير متزوجة فالمراد خيرا من زوجها المقدر لها لو بقيت وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيرا من زوجها أي خيرا منه في الصفات في الدنيا لأن التبديل يكون بتبديل الأعيان كما لو بعت شاة ببعير مثلا ويكون بتبديل الأوصاف كما لو قلت بدل الله كفر هذا الرجل بإيمان وكما في قوله تعالى -: ﴿ ويوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات﴾ والأرض هي الأرض ولكنها مدت والسماء هي السماء لكنها انشقت.
المسألة الرابعة: أفضل نساء أهل الجنة.
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال: رسول الله - ﷺ -: «أفضلُ نِساءِ أهْلِ الجَنّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وفاطِمَةُ بِنْتُ محمَّدٍ ومَرْيمُ بِنْتُ عِمْرانَ وآسِيَةُ بِنْتُ مُزاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ». [صحيح الجامع(1135)]
قال العلامة المناوي رحمه الله تعالى -:
قوله: «أفضل نساء أهل الجنة » ذكر بأن هؤلاء الأربع أفضل حتى من الحور العين ولو قال النساء لتوهم أن المراد نساء الدنيا فقط «خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ﷺ » ، «ومريم بنت عمران » الصديقة بنص القرآن «وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون » والثانية والثالثة أفضل من الأولى والرابعة والأولى أفضل من الأخيرة وفي الثانية والثالثة خلاف مشهور فرجح البعض تفضيل فاطمة لما فيها من البضعة الشريفة وبعضهم مريم لما قيل بنبوتها ولأنه تعالى ذكرها مع الأنبياء في القرآن
قال القرطبي: ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة عليها ويؤيده أنها صديقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي من الله بالتكليف والأخبار والبشارة وغيرها كما بلغت جميع الأنبياء قال فهي نبية خلافا لبعضهم وحينئذ فهي أفضل من فاطمة لأن النبي أفضل من الولي.
قال ابن حجر في الفتح هذا نص صريح في تفضيل خديجة على عائشة لا يحتمل التأويل.
وسئل السبكي هل قال أحد إن أحدا من نساء النبي ﷺ غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال قال به من لا يعتد بقوله وهو ابن حزم فضل نساءه على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة قال وهو قول ساقط مردود قال ونساؤه بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل. [فتح القدير(2/53)]
قلت: لا شك أن هؤلاء الأربع أفضل نساء أهل الجنة بدليل الحديث على اختلاف أيهن أفضل وليس بصحيح أن مريم عليها السلام بنبيه فلا نبوة في النساء ولا نبوة لكل من نزل عليه جبريل وكلمه لأنه إنما بشرها بالولد لاغير ولم يوحي إليها بشرع أو دين أو أمرت بتبليغ حكم شرعي وعليه لا يصح حمل هذا على النبوة والله تعالى أعلم.
وقد أوحى الله إلى إبراهيم وامرأته معه وبشرته الملائكة وامرأته قائمة فضحكة وهل هذا يقتضي رسالتها والبشارة لهما جميعا وجملة هذا القول وتفصيله وهو نبوة مريم مردود بأدلة أقوى وأصرح من دليل من استدل برسالتها.
المسألة الخامسة: لماذا لم يكن أهل الجنة مختونين.
أخرج [البخاري(٦٥٢٦)] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: «إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً يوم القيامة » والأغرل: هو الأقلف التي لم تُقطع غُرلته أو قلفته أو جلدته.
وعندهما برواية أخرى: «يا أيها الناس! إنكم تُحشرون إلى الله حفاة عراة غُرلاً: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ » وذكر الحديث. وعند مسلم من حديث عائشة(٦٥٢٧) بنحوه.
قال النووي رحمه الله تعالى -:
الغرل -بضم الغين وإسكان الراء- معناه: غير مختونين، جمع أغرل، وهو الذي لم يُختن وبقيت معه غرلته وهي قلفته، وهي الجلدة التي لم تُقطع في الختان.
والمقصود: أنهم يُحشرون كما خُلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء، أي: أنه ليس لهم زيادة ولا نقصان، حتى الغرلة تكون معه. [شرح مسلم(17/193)]
إنما شُرع الختان في الدنيا لتكميل الطهارة والتنزّه من البول، وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون.
إذاً: هناك ضرورة في الدنيا ليست في الآخرة.
إذاً: قطعت القلفة للضرورة فضلاً عن ورود النص؛ ولعدم احتباس البول والمني في القلفة وفي فرج المرأة، فليس هناك نجاسة تُصيب الغرلة فيحتاج إلى التحرج منها، كما أن القلفة لا تمنع لذة الجماع، هذا إن قُدّر استمرارهم على الحالة التي هم عليها، فلا يبعد أن يتغير داخل الجنة على غير هذه الهيئة التي نعلمها، والعلم عند الله تبارك وتعالى.
المسألة السادسة: يُعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل
عن أنس – رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - قال: « يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا من الجماع ». قيل: يا رسول الله، أو يطيق ذلك؟ قال: « يعطى قوة مائة رجل » [صحيح الترمذي (٢٥٣٦)]
الدُّنيا بما فيها عرَضٌ زائلٌ، والنَّعيمُ الكاملُ والدائمُ في الآخِرَةِ؛ فاللهُ سُبحانَه يُجزِلُ العَطاءَ والمثوبةَ لعِبادِه الطّائعين في الجنَّةِ، ويُعطيهم اللهُ مِن الجَمالِ والقوَّةِ ما يتَلذَّذون به بالنَّعيمِ أضعافًا مُضاعَفةً، ولا وجْهَ للمقارَنةِ بينَ نَعيمِ الدُّنيا ونعيمِ الآخِرَةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «يُعطى المؤمِنُ في الجنَّةِ قوَّةَ كذا وكذا مِن الجِماعِ»، وفي هذا كنايةٌ عن كَثرةِ عَددِ النِّساءِ الَّتي يجامِعُها، وقيل: هو كنايةٌ عن عددِ مرّاتِ الجِماعِ؛ وذلك لأنَّه لَمّا كانتِ النِّساءُ مِن أضرِّ الفِتنِ على الرِّجالِ في الدُّنيا، جعَل اللهُ لِمَن يَتَّقيها في الدُّنيا ما يُقابِلُها في الجنَّةِ مِن الأجرِ والثَّوابِ عِوَضًا عنها؛ حيثُ جعَلَ له مِن الحُورِ العِينِ ومِن جمالِها ما لا يُضاهيه في نِساءِ الدُّنيا وأعطاه هذه القُوَّةَ العظيمةَ؛ ليتمتَّعَ المتعةَ الكاملةَ.
«قيل»، أي: مِن بعضِ الصَّحابةِ: «يا رسولَ اللهِ، أوَيُطِيقُ ذلك؟»، أي: هل سيَقدِرُ على هذا القدْرِ مِن الجِماعِ؟! وذلك تَعجُّبًا منهم على ما قارَنوه بما يَقدِرُ عليه الإنسانُ في الدُّنيا وما يُصيبُه مِن فُتُورٍ، فقال النَّبيُّ ﷺ: «يُعطى قوَّةَ مئةٍ»، أي: إنَّ بِنْيَتَه الجِسميَّةَ في الجنَّةِ تكونُ في قوَّةِ مِئةِ رجُلٍ مِن أهلِ الدُّنيا، فإذا كان له تِلك القوَّةُ في الجنَّةِ كان له ما يقابِلُها مِن جِماعٍ، ولا فُتورَ في الجنَّةِ.
المسألة السابعة: هل تتزوج المرأة في الجنة أكثر من رجل؟
إن الله تعالى وصف اهل الجنة ﴿ طبتم﴾ فلا يدخل الجنة الا من اصبح طيبا والنفس الطيبة لا تميل او ترغب بالشذوذ فلا يشتهي اهل الجنة الا الطيب بالفطرة السليمة وعليه فلا يطلبون الشذوذ -والعياذ بالله- وعلى ضوء ذلك يقال ان فطرة المرأة ان تكون لرجل واحد وهو نعيمها والتعدد شقاء وخلاف متطلبات النفس الطيبة ففي الجنة يكون نعيم المرأة كذلك برجل واحد ومما يؤكد هذا الفهم أن من تتزوج اكثر من واحد بين النبي ﷺ أنها تكون في الجنة لاحدهم ومن المهم التوضيح بان النعيم والسعادة لا تتو قف على العدد بل هي منحة من الله والله تعالى قادر على ان يكرم المؤمنات الصالحات بأنواع الكرم الله تعويضا ومقابلة لجانب الحور العين للرجال فقدرة الله اكبر مما نتصور وفي الجنة ما لا خطر على قلب بشر وختاما فالحكمة الاهتمام والسعي لدخول الجنة ونيل عالي الدرجات فيها اما تفاصيل النعيم فكرم الله اكبر مما نتصور ومن هنا وصف نعيم الجنة انه ما لاعين رات و لا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لأنها ﴿ نزلا من غفور رحيم﴾ و القران صور جانبا وعرض لقطات من نعيمها تشو يقا ليهون بذل كل شيء مقابلها.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى -:
إنما ذكر - أي الله عزوجل - الزوجات للأزواج لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج .. بل لهن أزواج من بني آدم. [مجموع الفتاوى(2/53)].
المسألة الثامنة: غيرة الحور العين على أزواجهنّ في الدنيا:
أخبرنا الرسول - ﷺ - أن الحور العين يغرن على أزواجهن في الدنيا إذا آذى الواحد زوجته في الدنيا ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن معاذ – رضي الله عنه - عن رسول الله - ﷺ - قال: « لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو دخيل عندك، يوشك أن يفارقك إلينا ».[صحيح الترمذي (١١٧٤)]
كان النبيُّ ﷺ دائمًا ما يُحذِّرُ النِّساءَ مِنْ إغضابِهِنَّ لأزوجِهِنَّ بما لَهُنَّ في الآخِرةِ مِنْ عقابٍ على كُفرانِهِنَّ للعشيرِ، أو لَعْنِ الملائكةِ لعاصيةِ زَوْجِها، وما للرَّجُلِ في الجَنَّةِ مِنَ الحُورِ العِينِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ ﷺ: «لا تُؤذِي امرأةٌ زَوجَها في الدُّنيا»، أي: تتسبَّبُ أو تُصيبُ زوجَها المؤمنَ بشرٍّ، بقولٍ أو فعلٍ يَنهى عنه الشَّرعُ، «إلّا قالت زوجتُه»، أي: مِن أهلِ الجنَّةِ، وهي «مِن الحُورِ العِينِ»، والحَوْراءُ هي شديدةُ بياضِ العَيْنِ، والعِينُ- بالكَسرِ- هي واسعةُ العَيْنِ: «لا تُؤذيه، قاتَلَكِ اللهُ»، أي: عاداكِ أو قتَلَكِ أو لعَنَكِ، وهي غالبًا كلمةٌ تُستخدَمُ على اللِّسانِ ولا يُرادُ حَقيقةُ معناها، كـ«ثَكِلَتْك أمُّك» ونحوِ ذلك، «فإنَّما هو عندَكِ دخيلٌ»، أي: ضيفٌ غريبٌ نَزيلٌ عندَكِ، «يُوشِكُ أن يفارِقَكِ إلينا»، أي: قريبًا يتركُكِ ويدخُلُ الجنَّةَ فيكونُ معنا.
وفي الحديثِ: التَّرهيبُ الشَّديدُ مِنْ إيذاءِ الزَّوجةِ لزَوْجها.
وفيه: دَلالةٌ على أنَّ المَلَأ الأعلى يَطَّلِعونَ على أعمالِ أَهْلِ الدُّنيا.
وفيه: غَيرةُ الحُورِ العِينِ على أزْواجِهِنَّ في الدُّنيا.
المسألة التاسعة: فرح الحور العين بنجاة المؤمن من النار.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « إنَّ أدنى أهلِ الجنةِ منزلًا رجلٌ صرف اللهُ وجهَه عن النارِ قبلَ الجنةِ، ومَثَّلَ له شجرةً ذاتَ ظِلٍّ، فقال: أيْ ربِّ قدِّمْني إلى هذه الشجرةِ فأكونُ في ظلِّها، فقال اللهُ: هل عسيتَ أنْ تسألَني غيرَه؟ قال: لا وعزَّتِك، فقدَّمَه اللهُ إليها، ومَثَّلَ له شجرةً ذاتَ ظِلٍّ وثمرٍ، فقال: أيْ ربِّ قدِّمْني إلى هذه الشجرةِ فأكونُ في ظلِّها، وآكلُ من ثمرِها، فقال اللهُ: هل عسيتَ إن أعطيتُك ذلك أن تسألَني غيرَه؟ فيقولُ: لا وعزَّتِك، فيُقدِّمُه اللهُ إليها فيُمثِّلُ اللهُ له شجرةً أخرى ذاتَ ظِلٍّ وثمرٍ وماءٍ، فيقول: أيْ ربِّ قدِّمْني إلى هذه الشجرةِ فأكونُ في ظلِّها، وآكلُ من ثمرِها، فقال اللهُ: هل عسيتَ إن أعطيتُك ذلك أن تسألَني غيرَه؟ فيقولُ: لا وعزَّتِك لا أسألُك غيرَه، فيُقدِّمُه اللهُ إليها، فيبرزُ له بابُ الجنةِ، فيقولُ: أيْ ربِّ قدِّمْني إلى بابِ الجنةِ فأكونُ تحتَ سِجافِ الجنةِ فأرى أهلَها، فيقدِّمُه اللهُ إليها فيرى الجنةَ وما فيها، فيقولُ: أيْ ربِّ أدخلْني الجنةَ، فيدخلُ الجنةَ، فإذا دخل الجنةَ قال: هذا لي؟ فيقولُ اللهُ له تَمَنَّ: فيتمنى، ويذكرُه اللهُ عزَّ وجلَّ سَلْ من كذا وكذا حتى إذا انقطعتْ به الأمانيُّ، قال اللهُ: هو لك وعشرةَ أمثالِه، ثم يُدخلُه اللهُ الجنةَ، فيُدْخِلُ عليه زوجتاه من الحورِ العينِ؛ فيقولان: الحمدُ للهِ الذي أحياك لنا، وأحيانا لك. فيقولُ: ما أُعطيَ أحدٌ مثلَ ما أُعطيتُ. وأدنى أهلِ النارِ عذابًا ينْعلُ من نارٍ بنعلينِ يغْلي دماغُه من حرارةِ نعْلَيْه ». [صحيح الجامع (١٥٥٧) صحيح]
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: « دَعوا لي النَّجديَّ، فوالذي نفسي بيدِه إنه لمن ملوكِ الجنةِ. قال: فلقوا العدوَّ، فاستُشْهِد، فأُخبِرَ بذلك النبيُّ، فأتاه فقعد عند رأسِه مُستبشرًا - أو قال: مسرورًا - يضحكُ، ثم أعرض عنه. فقلنا: يا رسولَ اللهِ ! رأيناك مُستبشِرًا، تضحكُ، ثم أعرضتَ عنه؟ فقال: أما مارأيتُم من استبْشاري - أو قال من سُروري - فلما رأيتُ من كرامةِ رُوحِه على اللهِ عزّ وجلَّ. وأما إعراضي عنه؛ فإنَّ زوجتَه من الحورِ العِينِ الآنَ عند رأسِه ». [صحيح الترغيب (١٣٨٢) حسن]
المسألة العاشرة: هل النساء أكثر في الجنة أم في النار؟
فاختلف العلماء - لأجل هذا - في التوفيق بين الأحاديث السابقة: أي هل النساء أكثر في الجنة أم في النار؟
فقال بعضهم: بأن النساء يكن أكثر أهل الجنة وكذلك أكثر أهل النار لكثرتهن. قال القاضي عياض: النساء أكثر ولد آدم.
وقال بعضهم: بأن النساء أكثر أهل النار للأحاديث السابقة. وأنهن - أيضا - أكثر أهل الجنة إذا جمعن مع الحور العين فيكون الجميع أكثر من الرجال في الجنة.
وقال آخرون: بل هن أكثر أهل النار في بداية الأمر ثم يكن أكثر أهل الجنة بعد أن يخرجن من النار - أي المسلمات -
قال القرطبي – رحمه الله تعالى – تعليقا على قوله ﷺ: «رأيتكن أكثر أهل النار» يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار وأما بعد خروجهن في الشفاعة ورحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال: لا إله إلا الله فالنساء في الجنة أكثر. [التذكرة(361)]
الحاصل: أن تحرص المرأة أن لا تكون من أهل النار.
المسألة الحادية عشر: الحكمة من وعد الله للرجال بالحور العين في الجنة وعدم وعد النساء بالرجال.
الحكمة في ذلك والله أعلم أن الرجال هم القوامون على النساء، وأنهم إذا وعدوا بهذه الأشياء صار هذا أقرب إلى نشاطهم في طلب الآخرة، وحرصهم على طلب الآخرة، وعدم ركونهم إلى الدنيا الركون الذي يحول بينهم وبين المسابقة إلى الخيرات، والنساء تابعات للرجال في الأغلب، فإذا رزق الرجل الحور العين في الجنة مع ما وعد الله به النساء المؤمنات من الخير العظيم، والدرجات العالية في الجنة، فلهن من الأجر ما يجعلهن زوجات للخيرين من الرجال في الجنة، والرجل يعطى زيادة من الحور العين، وليس في الجنة أذى ولا منافسة ولا ضرة، كما يفعل الضرات في الدنيا.[موقع العلامة ابن باز]
وقال العلامة العثيمين – رحمه الله تعالى -:
ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس، فهو حاصل في الجنة لأهل الجنة ذكورا كانوا أم إناثا، فالمرأة يزوجها الله - تبارك وتعالى - في الجنة بزوجها الذي كان زوجا لها في الدنيا، كما قال الله - تبارك وتعالى - : ﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.[مجموع الفتاوى(2/52)]
وقال: إنما ذكر الزوجات للأزواج ؛ لأن الزوج هو الطالب ، وهو الراغب في المرأة ؛ فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة ، وسكت عن الأزواج للنساء ، ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج ، بل لهن أزواج من بني آدم. [المصدر السابق]
المسألة الثانية عشر: صفات نساء الجنة من أهل الدنيا.
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ﷺ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ برجالِكم مِنْ أهلِ الجنةِ؟ النبيُّ في الجنةِ، والشهيدُ في الجنةِ، والصِّدِّيقُ في الجنةِ والمولودُ في الجنةِ، والرجلُ يزورُ أخاه في ناحيةِ المصرِ في اللهِ في الجنةِ. أَلا أُخْبِرُكُمْ بنسائِكم مِنْ أهلِ الجنةِ؟ الودودُ الولودُ، العؤودُ؛ التي إذا ظُلِمَتْ قالت: هذه يدي في يدِكَ، لا أذوقُ غُمْضًا حتى تَرْضى». [صحيح الجامع (٢٦٠٤) حسن]
المسألة الثالثة عشر: من كانت له نساء في الجنة.
عن بريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه – قال: قال: رسول الله ﷺ: «دخلْتُ الجنةَ فاسْتَقْبلَتْنِي جارِيَةٌ شابَّةٌ، فقُلْتُ: لِمَنْ أنْتِ؟ قالتْ: أنا لِزَيْدِ بنِ حارِثَةَ». [السلسلة الصحيحة (١٨٥٩)].
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ يقول: «رأيتني دخلتُ الجنةَ، فإذا أنا بالرُّميصاءِ امرأةِ أبي طلحةَ، وسمعْتُ خشْفًا مِنْ أمامي، فقلْتُ: مَنْ هذا يا جبريلُ؟ قال: هذا بلالٌ، ورأيتُ قصْرًا أبيضَ بفنائِهِ جاريةً، فقلْتُ: لمن هذا القصرُ؟ قالوا: لعُمَرِ بنِ الخطابِ فأردتُّ أنْ أدخلَهُ فأنظرَ إليه، فذكرْتُ غَيْرَتَكَ». [صحيح الجامع (٣٤٧٨)].
المسألة الرابعة عشر: شوق الصالحين للحور العين.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى –:
والصالحون في هذه الدار بعدما علموا بما جاء في كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم في شأنهن ، يكونون في أشد الشوق والحب لهن مما له أكبر الأثر في إقبالهم على طاعة مولاهم وأن يُقِر أعينهم بهنّ.
قال ربيعة بن كلثوم رحمه الله تعالى -:
نظر إلينا الحسن ونحن حوله شباب فقال : يا معشر الشباب أَما تشتاقون إلى الحور العين ؟
وقال لي ابن أبي الحواري – رحمه الله تعالى -: حدثني الحضرميُ قال رحمه الله تعالى -:
نمت أنا وأبو حمزة على سطح ، فجعلتُ أنظر اليه يتقلب على فراشه إلى الصباح ، فقلت يا أبا حمزة ما رقدت الليلة ، فقال إني لمّا اضطجعتُ تمثلت لي حوراء حتى كأني أحسست بجلدها وقد مس جلدي ، قال: فحدثت به أبا سلمان فقال : هذا رجلٌ كان مشتاقاً.
وقال عطاء السلمي لمالك بن دينار – رحمهم الله تعالى -:
يا أبا يحيى شوّقنا ، قال : يا عطاء : إن في الجنة حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها ، لولا أن الله تعالى كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا ، لماتوا من حسنها ، فلم يزل عطاء كمداً من قول مالك أربعين يوماً . [ذكره القرطبي في التذكرة (صـ556)]
فعلى المؤمن إذا أراد هذا النعيم من الجنّة أن يجتهد في طاعة الله ويحافظ على دينه فإن سلعة الله غالية.
المسألة الخامسة عشر: أيهما أجمل الحور العين أم نساء الدنيا؟.
قال القرطبي - رحمه الله تعالى -:
واختلف أيهما أكثر حسنًا وأبهر جمالاً: الحور أو الآدميات؟ فقيل:الحور لما ذكر من وصفهن في القرآن والسنة ولقوله-عليه الصلاة والسلام- في دعائه على الميت في الجنازة: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ». [مسلم(2276)]
وقيل: الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف ...ثم ذكر قول حبان بن أبي جبلة: إن نساء الدنيا من دخل منهنّ الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا. [ تفسير القرطبي: (17/143)]
المرجع / وصف الجنة كأنك تراها ص 220-254.
اللهم يسر بطباعته.
❐أبّوَ مٌحُمٌدِ طِاُهرَ الُسِمٌاوَيَ❐:
https://t.me/taheer77
════ ❁✿❁ ════
*✍ إنشـــر.فنشر.العــلم.من.أجل.القربـــات.ms*
هذه مدونة خاصة بأبي محمد طاهر السماوي وفقه الله وفيها كتب ومحاضرات ونصائح ومنشورات خاصة به. نسأل آلله أن ينفع بها في الحياة وبعد الممات
الجمعة، 7 فبراير 2020
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
تلحين العبادات القولية
📮التلحين في العبادات القولية. بالنسبه للتلحين في العبادات القولية لا يوجد عبادة من العبادات يشرع فيها التلحين والذي هو مشروع تحسين الصوت ...
-
_~*🔊 أساليب جديدة من بعض الدعاة*~_ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله. وبعد: فصدق الله القائل: {وإنك لعلى خلق عظيم} وصدق...
-
📮اقرأ هذا ثم الرد بعده لعلك تهتدي. دفاعات أهل السنة على الشيخ /محمد الامام ضد الصعافقه 💥 1⃣دفاع الشيخ العلامه/عبدالرحمن بن مرعي العد...
-
الباب العشرون: وصف نساء الجنة وحورها المبحث الأول: الحور العين الحور العين نساء لا يعلم مقدار حسنهن وجمالهن إلا الذي خلقهن، ولكن...
-
#فوائد_علمية. #مختصر_أحكام_الأضاحي. 📮↜ ٲولاً التعريف: ▣اﻷﺿﺤﻴﺔ: ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺭﺑﻊ ﻟﻐﺎﺕ، ﺇﺿﺤﻴﺔ. ﻭﺃﺿﺤﻴﺔ ﻭاﻟﺠﻤﻊ ﺃﺿﺎﺣﻲ. ﻭﺿﺤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻴﻠﺔ ﻭاﻟﺠﻤﻊ ...
-
#فوائد_علمية. #مختصر_مسائل_وأحكام_العيد. 📮↜: التعريف: العيد اسمٌ لما يعود من الاجتماع العام على وجهٍ معتاد، عائدٍ بعود السنة، أو بعود...