الأحد، 2 فبراير 2020

إثبات اليد والكف والأصابع والأنامل لله تعالى.

المبحث الرابع: إثبات اليد والكف والأصابع والأنامل لله تعالى.

المسألة الأولى: الأدلة على وصف اليد لله تعالى:

أولاً: الْيَدِ  

الْيَدِ لِلْخَالِقِ الْبَارِئِ جَلَّ وَعَلَا وَالْبَيَانُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ يَدَانِ، كَمَا أَعْلَمَنَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدَيْهِ قَالَ الله  عَزَّ وَجَلَّ لِإِبْلِيسَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وَقَالَ الله جَلَّ وَعَلَا تَكْذِيبًا لِلْيَهُودِ حِينَ قَالُوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ, فَكَذَّبَهُمْ فِي مَقَالَتِهِمْ، وَقَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ أَعْلَمَنَا أَنَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ , وَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ, وَقَالَ الله : فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تَرْجَعُونَ وَقَالَ الله : تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , وَقَالَ الله : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا

عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال: رسول الله  -:  إِنَّ العبدَ إذا تَصَدَّقَ من طَيِّبٍ تَقَبَّلَها اللهُ مِنْهُ، وأَخَذَها بِيَمِينِهِ فَرَبّاها، كما يُربِّي أحدُكُمْ مُهْرَهُ أوْ فَصِيلهُ، وإِنَّ الرجلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ، فَتَرْبُو في يَدِ اللهِ أوْ قال: في كَفِّ اللهِ حتى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ، فَتَصَدَّقُوا. [صحيح الترغيب (٨٥٦)]

يُحبِّبُنا النَّبيُّ  في الصَّدقاتِ، فمَن تَصدَّق بقيمةِ تمرةٍ مِن كَسبٍ حلالٍ- ولا يقبَلُ اللهُ إلّا الكسبَ الحلالَ- فاللهُ يتقبَّلُها بيمينِه، ثمَّ يُنمِّيها ويُضاعِفُ أجرَها لتثقُلَ في الميزانِ، كما يُربِّي أحدُكم مُهْرَه، حتّى تكونَ مِثلَ الجبَل.

والحاصلُ أنَّ مَن تصدَّق بصدقةٍ قليلةٍ خالصة مِن الرِّياء والسُّمعة مِن مالٍ حلال، فإنَّ اللهَ يكبِّرُ صورتَها، ويضاعِفُ ثوابها، ويُثقِّلُ وزنَها في ميزانِه يومَ القيامة، حتّى تكونَ كالجبلِ الضَّخمِ في صورتِها ووزنِها.

وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقبَلُ عند اللهِ تعالى إلّا إذا كانت طيِّبةً، بأن تكونَ خالصةً لله، ومِن كسبٍ حلالٍ.

وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقوَّمُ بحجمِها، وإنَّما تُقوَّمُ بإخلاصِ صاحبها، وبالمالِ الَّذي خرَجَتْ منه، حلالًا كان أو حرامًا.

وفيه: أنَّ الأعمالَ الصّالحةَ تحوَّلُ يومَ القيامة إلى أجرامٍ مادِّيَّةٍ، لها صورةٌ وحجمٌ ووزنٌ، فتوضَعُ في ميزانِ العبدِ، وتُوزَنُ في كِفَّةِ حسناتِه.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال: رسول الله  -: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وقالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأى لا تَغِيضُها نَفَقَةٌ سَحّاءُ اللَّيْلَ والنَّهارَ، وقالَ: أرَأَيْتُمْ ما أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّماءَ والأرْضَ، فإنَّه لَمْ يَغِضْ ما في يَدِهِ، وكانَ عَرْشُهُ على الماءِ، وبِيَدِهِ المِيزانُ يَخْفِضُ ويَرْفَعُ. [ البخاري (٤٦٨٤) واللفظ له، ومسلم (٩٩٣)]

يُبيِّنُ النَّبيُّ  في هذا الحديثِ القُدسيِّ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: «أَنفِقْ أُنفِقْ عليكَ، وقال: يَدُ اللهِ مَلأى»، أيْ: شديدة الامتِلاء بالخَير، «لا تَغِيضُها»، أي: لا تَنقُصُها، «نفَقةٌ، سَحّاءُ اللَّيلِ والنَّهارِ»؟، «وسحّاء»، أي: كثيرةُ العطاءِ، وقال : «أخبِروني ما أَنْفَق»، أي: الذي أنفَقَه منذُ خَلَق السَّماء والأرض؛ «فإنَّه لم يَغِضْ»، أي: لم يَنقُصْ ما في يَدِه، «وكان عَرْشُه على الماءِ، وبيدِه المِيزانُ: يَخْفِض» مَن يَشاءُ، «ويَرفَع» مَن يَشاء، وأئمَّةُ السُّنَّةِ على وُجوبِ الإيمانِ بهذا الحديثِ وأشباهِه من غَيرِ تأويلٍ؛ بل يُمرُّونَه على ظاهرِه كما جاءَ، ولا يُقال: كيف.

في الحديث: الحَضُّ على الإنفاقِ فِي الواجباتِ كالنفقةِ على الأهلِ، وصِلةِ الرَّحمِ، ويَدخُل فيه أيضًا صَدقةُ التطوُّعِ، والوعدُ بإخلافِ اللهِ تعالى على المُنفِقِ.

وفيه: إثباتُ صِفةِ اليَدِ للهِ سبحانه على ما يَليقُ بكمالِه وجلالِه.

عن عرفجة بن شريح – رضي الله عنه – قال قال: رسول الله  -:  إنَّهُ سيَكونُ بعدي هَناتٌ وهَناتٌ فمن رأيتُموهُ فارقَ الجماعةَ أو يريدُ يفرِّقُ أمرَ أمَّةِ محمَّدٍ صلّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كائنًا من كانَ فاقتلوهُ فإنَّ يدَ اللَّهِ على الجماعةِ فإنَّ الشَّيطانَ معَ من فارقَ الجماعةَ يركضُ. [ صحيح النسائي (٤٠٣٢)].


 ثانياً: وَالأنامل

عَن معَاذ بن جبل- رضي الله عنه  – قَالَ: احْتبسَ عَنَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... قَالَ فرأيته وضع كَفه بَين كَتِفي فَوجدت برد أنامله بَين ثديي فتجلى لي كل شَيْء....الحديث. [صحيح الجامع (59) وهداية الرواة (693)]

قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فرَأيتُه وضَع كَفَّه بينَ كَتِفيَّ حتَّى وجَدتُ برْدَ أنامِلِه بينَ ثَديَيَّ"، أي: شَعَرتُ ببَرْدِها على قَلْبي وصَدْري، كأنَّه أرادَ بذلك أن يَضَعَ الفَيْضَ في قلبِه بنُزولِ الرَّحمةِ، وانْصِبابِ العُلومِ عليه، وهذا مِن تَخْصيصِه إيَّاه بمَزيدِ الفضلِ عليه؛ لأنَّ مِن دَيْدَنِ الملوكِ إذا أرادوا أن يُدْنوا إلى أنفُسِهم بعْضَ خدَمِهم يضَعون أيدِيَهم عليهم تَلطُّفًا بهم، وتعظيمًا لشأنِهم، ووضْعُ اليدِ نُؤمِنُ به مِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ ولا تعطيلٍ، ولا نُفسِّرُه بما يُفسَّرُ به صِفاتُ الخَلْقِ، بل يُوكَلُ عِلمُ الكيفيَّةِ إلى اللهِ تعالى.

وفيه: إثباتُ أنَّ للهِ تعالى كفًّا وأنامِلَ تَليقُ بذَاتِه وجَلالِه.


ثالثاً: الأصابع.

عن النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ - رضي الله عنه  -: قال:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ، يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ» قَالَ: «وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ قَوْمًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». [الصحيحة (2091)]

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه  -: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ، وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا» وَأَشَارَ الْأَعْمَشُ بِإِصْبَعَيْهِ. [سنن ابن ماجة (3834) قال الألباني: صحيح]

قال السفاريني - رحمه الله  تعالى -:

وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: ذِكْرُ الْأَصَابِعِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا، فَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا. [لوامع الأنوار البهية (1/236)]

الإصبع في كلام العرب تقع على النعمة والأثر الحسن وهذا المعنى لا يجوز في هذا الحديث، فكون الإصبع معلوماً بقوله -  -، وكيفيته مجهولة، وكذلك القول في جميع الصفات يجب الإيمان به، ويترك الخوض في تأويله، وإدراك كيفيته.

قال العلامة العثيمين – رحمه الله  تعالى -:

يقول: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ أي: مقبوضة له، أي: في مُلْكِه وتَصَرُّفِه. ففسَّر المؤلف القبضَ بمعنى الملك والتَّصَرُّف. وفي هذا نظر ظاهر، بل هذا تحريف؛ لأن الملك والتصرف، كل شيء في ملكه وتصرفه، الأرض والسماء يوم القيامة وقبلَ يوم القيامة، لكن القَبْضَة بمعنى المقبوضة التي تكون في اليد تُحيطُ بها اليد هذه هي القبضة، فيقال مثلًا: قبضة مِنْ طعام، ما معنى قبضة من طعام؟ يعني أن الإنسان يقبض الطعام بيده هكذا، فالأرض يوم القيامة قبضة الله عز وجل، وقد جاء ذلك مبينًا في حديث عبد الله بن مسعود في قصة النبي  مع حَبْرٍ من أحبار اليهود: «أَنَّ الله يجعل الأرض على إصبع والشجر على إصبع والجبال على إصبع » إلى آخره، فالصواب المتعيِّن أن يُقال: المراد بالقبضة أنها في قبضة يده عز وجل.

فإن قال قائل: وهل يجوز لنا أن نُمَثِّل هذه القبضة، بحيث نأخذ تَمْرَةً أو تفاحة ونضعها في أيدينا، ونقول: قَبْضَتُهُ ثم نقبض على التفاحة أو التمرة؟

الجواب: لا؛ لأننا لو فعلنا ذلك لكان هذا تمثيلًا لقبضة الله سبحانه وتعالى للأرض، وهذا لا يجوز. أما أن نبين معنى القبضة فلا بأس، بأن نقول: القبضة هي وضع الشيء في اليد ثم قبضه بها، لكن نُكَيِّف كيف قبض الله عز وجل على الأرض هذا خلاف معتقد أهل السنة والجماعة، كما هو معروف للجميع.

وقوله: يَوْمَ الْقِيَامَةِ هذه ظرف للقبضة؛ أي: أنها تكون قبضة له يوم القيامة، ويوم القيامة هو اليوم الذي يُبْعَث فيه الناس من قبورهم لله عز وجل. [تفسير ابن عثيمين()]

رابعاً: الكف.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه  - قال: قَالَ رَسُولُ الله -  -«مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ الله إِلاَّ الطَّيِّبَ، إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ, وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، وَإِنْ كانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ». [ البخاري (1410، 7430) تعليقاً، ومسلم (1014)]

يُخبِر الرَّسولُ  عن عِظَمِ مِنَّةِ الله تعالى وكَرَمِه؛ فيقول: «مَن تصدَّق بعَدْل»، أي: ما يساوِي ويُعادِل، أو قِيمَة «تَمْرَة مِن كَسْبٍ طيِّبٍ» حلال، «ولا يَصْعَدُ إلى الله إلّا الطَّيِّبُ» جُملة معترِضةٌ معناها: لا يَقْبَلُ الله تعالى إلّا الحلالَ، «فإنَّ الله يتقبَّلها بِيَمِينِه»، أي: بِيَدِه اليُمْنى كَرامةً لها، وكِلْتا يَدَيْه تعالى يَمِينٌ مبارَكة، «ثُمَّ يُرَبِّيها»، أي: يُنَمِّيها ويعظِّمها «لصاحبِها، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ» وهو المُهْرُ، أي: الصَّغيرُ من الخَيْل الَّذِي يَحتاجُ للرِّعاية والتربِيَة، «حتّى تكونَ مِثْلَ الجَبَلِ» حَجْمًا وثِقَلًا يومَ القيامةِ.

وفي الحديثِ: إثباتُ اليدِ للهِ تعالى على ما يَليقُ بكمالِه سبحانَه.

فاليد والكف الأصابع والأنامل صفة ذاتية خبرية ثابتة لله عز وجل بالأحاديث الصحيحة التي مر ذكرها وغيرها كثير عن النبي -  -، والإيمان بها واجب، والبحث عن كيفيتها منكر وباطل لا يجوز الدخول فيه كما هي عقيدة السلف رحمهم الله جميعا وعصمنا الله من مضلات الفتن.

قال الأصبهاني - رحمه الله  تعالى -:

وللكف معان, وليس يحتمل الحديث شيئاً من ذلك، إلا ما هو معروف في كلام العرب، فهو معلوم بالحديث, مجهول الكيفية. [الحجة (2/ 262)]

وقال صديق حسن خان – رحمه الله تعالى -:

ومن صفاته سبحانه: اليد، واليمين، والكف، والإصبع. [قطف الثمر(ص 66)]

قال الراغب الأصفهاني - رحمه الله  تعالى -:

وكذلك القول فيما يضارع هذه الصفات كقوله تعالى: لما خلقت بيدي، وقوله: بل يداه مبسوطتان، وقوله: ويبقى وجه ربك، وقول النبي -  -: «حتى يضع الجبار فيها قدمه». «إن أحدكم يأتي بصدقته فيضعها في كف الرحمن». وقوله: «يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع». فإذا تدبره متدبر، ولم يتعصب بان له صحة ذلك وأن الإيمان به واجب، وأن البحث عن كيفية ذلك باطل. وهذا لأن اليد في كلام العرب تأتي بمعنى القوة ... ثم ذكر معانيها في اللغة فذكر النعمة، والنصرة، والملك، والتصرف، وبين امتناع إرادة هذه المعاني في حق ما ورد من آيات ذكر اليد لله تعالى ثم قال:  ومنها اليد التي هي معروفة، فإذا لم تحتمل الأوجه التي ذكرنا لم يبق إلا اليد المعلوم كونها، المجهولة كيفيتها، ونحن نعلم يد المخلوق وكيفيتها لأنا نشاهدها ونعاينها فنعرفها، ونعلم أحوالها، ولا نعلم كيفية يد الله تعالى، لأنها لا تشبه يد المخلوق، وعلم كيفيتها علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، بل نعلم كونها معلومة لقوله تعالى، وذكره لها فقط، ولا نعلم كيفية ذلك وتأويلها. [الحجة في بيان المحجة (2/ 257 - 262)]





المسألة الثانية: مذاهب الناس في إثبات صفة اليد لله تعالى.

أولاً: مذهب أهل السنة. مذهب الصحابة والتابعين وأهل الحديث وأهل السنة قاطبة إثبات ما لله تعالى من الصفات التي ثبتت في الكتاب والسنة كما جاءت دون تكييف أو تمثيل أو تحريف أو تعطيل وهو  القول الحق لقوة أدلتهم.

ثانياً: مذهب ابن حزم الأندلسي اثبت أن لله تعالى ايدي كثيرة. قال: إن لله تعالى يد ويدين وأيدي. وذلك لأنه أخذ بالأدلة مفردة ولم يجمع بين الأدلة فاليد تدخل تحت اليدين والجمع يدل على التعظيم وليس على الكثرة والصواب أن من ذلك أن له يدين تليقان به لا نعلم كيفيتها.

ثالثاً: مذهب أبو العباس القلانسي الكلابي أن لله يد واحدة. وهو مذهب مرجوح لإهماله للأدلة الأخرى الثابتة في الكتاب والسنة.

رابعاً: مذهب المشبهة وهم الذين يثبتون أن لله أيدي كأيدي الناس.  وزعيم هذا المذهب هشام بن الحكم الرافضي وهشام الجواليقي وهم روافض ومذهبهم إثبات أن لله جميع الأعضاء التي للإنسان إلا الفرج واللحية تعالى الله عمال يقولون علوا كبيرا وهذا المذهب كفى به قبحاً أن يرد عليه لبشاعته وشناعته قبح الله أصحابه.

قال العلامة المقريزي رحمه الله  تعالى:

وهكذا أثبتوا - رضي الله عنه م - ما أطلقه سبحانه على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك، مع نفي مماثلة المخلوقين. فأثبتوا - رضي الله عنه م - بلا تشبيه، ونزهوا من غير تعطيل، ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا... ولا عرف أحد منهم شيئاً من الطرق الكلامية ولا مسائل الفلسفة، فمضى عصر الصحابة - رضي الله عنه م - على هذا. [المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (4/ 188)]

خامساً: المجسمة وهم أصحاب مقاتل بن سليمان. يقولون أن الله جسم وجثة وصورة على صورة الإنسان ولكن لا يشبه أحد وهذا المذهب لا يقل عن مذهب الروافض الأنجاس السالف الذكر وقيل أن ما ذكر عن مقاتل بن سليمان ليس بصحيح بل نسب إليه أمور لم يثبت أنه كان يقولها ويعتقدها والله أعلم وقد دافع عنه الذهبي كما في السير فالله أعلم.

سادساً: المعطلة من الجهمية والمعتزلة والماتريدية والأشاعرة.  فإنهم يثبتون اليد لله ولكن يؤلونها ويقولون هي القدرة والقوة والملك والنعمة والسلطان والعطاء والرزق والخزائن والبركة والكرامة والعناية وهذا الكلام باطل إذ أنه هذه صفات بعضها مستقلة وبعضهما لم من أثر هذه الصفة.

وهذه التأويلات التي ذكروها لصفة اليدين من التأويلات الباطلة، وهي عين التحريف الذي ذم الله عليه أهل الكتاب الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.

وهذه التأويلات المتقدمة للمعتزلة والأشعرية لصفة اليدين بالنعمة والقدرة والقوة تأويلات باطلة بعيدة عن الصواب بمسافات بعيدة ويرد على الفريقين من وجوه:

الوجه الأول: إن الأصل في الكلام الحقيقة، فدعوى المجاز مخالف للأصل.

الوجه الثاني: أن ذلك خلاف الظاهر فقد اتفق الأصل والظاهر على بطلان هذه الدعوى.

الوجه الثالث: إن اطراد لفظها في موارد الاستعمال وتنوع ذلك وتصريف استعماله يمنع المجاز. ألا ترى إلى قوله: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ  وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ وقوله: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ، فلو كان مجازاً في القدرة أو النعمة لم يستعمل منه لفظ يمين وقوله في الحديث: «المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين»

فلا يقال: هذه يد النعمة، أو القدرة، وقوله «يقبض الله سماواته بيده، والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك»  فههنا هز وقبض، وذكر يدين، ولما أخبر  جعل يقبض يديه ويبسطهما تحقيقاً للصفة لا تشبيهاً لها.

الوجه الرابع: أن مثل هذا المجاز لا يستعمل بلفظ التثنية، ولا يستعمل إلا مفرداً،أو مجموعاً، كقولك: له عندي يد يجزيه الله بها وله عندي أيادي، وأما إذا جاء بلفظ التثنية لم يعرف استعماله قط إلا في اليد الحقيقة.

الوجه الخامس: أن ليس في المعهود أن يطلق الله على نفسه معنى القدرة والنعمة بلفظ التثنية، بل بلفظ الإفراد الشامل لجميع الحقيقة كقوله تعالى: أَنَّ الْقُوَّةَ لله جَمِيعاً وكقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا وقد يجمع الله النعم كقوله وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وأما أن يقول: خلقتك بقدرتين وبنعمتين فهذا لم يقع في كلامه ولا كلام رسوله .

الوجه السادس: أنه لو ثبت استعمال ذلك بلفظ التثنية لم يجز أن يكون المراد هنا القدرة فإنه يبطل تخصيص آدم فإنه وجميع المخلوقات حتى ـ إبليس ـ مخلوق بقدرة الله.

الوجه السابع: أن هذا التركيب المذكور في قوله خَلَقْتُ بِيَدَيَّ يأبى حمل الكلام على القدرة لأنه نسب الخلق إلى نفسه ـ سبحانه ـ ثم عدى الفعل إلى اليد ثم ثناها، ثم أدخل عليها الباء التي تدخل على قولك كتبت بالقلم ومثل هذا نص صريح لا يحتمل المجاز بوجه. [ هذه السبعة ذكرها ابن القيم مختصر الصواعق 2/153 وما بعدها]

قال ابن خزيمة – رحمه الله  تعالى - في صدد رده على الجهمية المؤولين لليد بالنعمة: وزعمت الجهمية والمعطلة أن معنى قوله بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ أي: نعمتاه، وهذا تبديل لا تأويل والدليل على نقض دعواهم هذه أن نعم الله كثيرة لا يحصيها إلا الخالق البارئ ولله يدان لا أكثر منها كما قال لإبليس لعنه الله مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فأعلمنا الله ـ جل وعلا ـ أنه خلق آدم بيديه فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته كان مبدلاً لكلام الله. اهـ. [كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب (ص85 ـ 86)]

وقال العلامة أبو الحسن الأشعري – رحمه الله  تعالى -:

 وقد اعتل معتل بقول الله ـ عز وجل ـ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الأيدي القوة أن يكون معنى قوله «بيدي» بقدرتي وقيل لهم: هذا التأويل فاسد من وجوه آخرها أن «الأيد» ليس بجمع لليد لأن جمع يد التي هي النعمة «أيادي» وإنما قال لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فبطل بذلك أن يكون معنى قوله «بيديَّ» معنى قوله وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وأيضاً فلو كان أراد القوة لكان معنى ذلك بقدرتي وهذا ناقض لقول مخالفنا وكاسر لمذاهبهم لأنهم لا يثبتون قدرة واحدة فيكيف يثبتون قدرتين. اهـ [الإبانة (ص35)]

الوجه الثامن: فهم السياق فلابد من معرفة السياق حتى تفسر الآية المشتملة على الصفة تفسيراً صحيحاً، ومن السياقات الدالة على أن اليد هي صفة حقيقية لله تعالى: أن الله تعالى ذكرها بصيغة التثنية، ولا يوجد في كلام العرب أنهم ذكروا اليد بمعنى النعمة، أو القوة، أو القدرة في سياق التثنية المضافة إلى معين؛ لأن الله يقول: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فجاء ذكر اليدين هنا مثناة ومضافة، ولا يوجد في كلام العرب أنهم يستعملون اليد في غير معنى الصفة إذا جاءت بمثل هذا السياق، ولذلك فإن ابن تيمية رحمه الله  تعالى في أحد مناظراته في صفة اليدين اشترط هذا الشرط، فانقطع المخالف له.

وخلاصة القول مما تقدم في هذا المبحث أن لله ـ تعالى ـ يدين حقيقيتين تليقان بجلاله، وأن ما ورد في شأن اليد من الإمساك والطي والقبض والبسط والخلق باليدين وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده، وكون المقسطين عن يمينه، وتخيير آدم بين ما في يديه وأخذ الصدقة بيمينه يربيها لصاحبها وأنه مسح ظهر آدم بيده إلى غير ذلك مما ورد في شأنها يدل دلالة واضحة على أنها يد حقيقة، كما أخبر بذلك ـ جل وعلا ـ وأن تأويلها بالقدرة، أو النعمة تأويل ظاهر البطلان. [مختصر الصواعق المرسلة (2 /171)]


المسألة الثالثة: وصف أعمال يدي الله تعالى.

قلت: قد ثبت بالأدلة الكثيرة أن من صفات اليدين لله تعالى أمور منها.

الهز.

والدليل: «يقبض الله سماواته بيده، والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك» [البخاري (٧٤٥١)، ومسلم (٢٧٨٦) واللفظ له ]

القبض.

والدليل: والْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.

البسط.

والدليل: وَقَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ.

التقليب.

والدليل: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا»[صحيح الجامع (١٦٨٥)]

الخلق.

والدليل: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ

البناء.

والدليل: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ

الرفع والخفض.

والدليل: «وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ قَوْمًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».[تخريج كتاب السنة (٥٥٠)]

العمل:

والدليل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا.

والطي:

والدليل: والْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.

أن الخير بيده.

والدليل: وَقَالَ: تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

أن الملكوت بيده.

والدليل: فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تَرْجَعُونَ

الأخذ

والدليل: «يَأْخُذُ الْجَبَّارُ، عَزَّ وَجَلَّ، سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ»[مسلم(2788)]

الفوقية:

والدليل: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ

الحثو:

والدليل: «سألت الله الشفاعة لأمتي فقال: لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قلت: رب زدني، فحثى لي بيديه مرتين وعن يمينه وعن شماله».[الصَّحِيحَة: (1879)]

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله  - يقول «وعدني ربي عزّ وجل أن يدخل في الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي عزّ وجل». [أحمد(٢٢٣٠٣)بسند حسن]

فقوله: «وزادَني ثلاثَ حَثَياتٍ»، أي: ثلاثَ غَرفاتٍ بيَدِ الرَّحمنِ، وهو الكريمُ، وإنَّما عبَّرَ بالحَثَياتِ؛ لأنَّ مِن شأْنِ المُعطي إذا اسْتُزِيدَ أنْ يَحْثِيَ بكفَّيْه مِن غيرِ حِسابٍ، وربَّما ناولَهُ مِلْءَ كفٍّ.

والحَثْيةُ ما يَحْثوه الإنسانُ بيَدَيه مِن ماءٍ أو تُرابٍ أو غيرِ ذلك، ويُستعمَلُ فيما يُعْطيه المعطي بكفَّيه دَفعةً واحدةً، وأُريدَ بها الدَّفعاتُ، أي: يُعطي بعدَ هذا العدِّ المنصوصِ عليه ما يَخْفى على العادِّين حَصْرُه وتَعدادُه؛ فإنَّ عَطاءَه الَّذي لا يَضبِطُه الحسابُ أوْفى وأَرْبى مِن النَّوعِ الَّذي يتَداخَلُه الحسابُ، وخاصَّةً أنَّه قال: «مِن حثَياتِ اللهِ عزَّ وجلَّ»، فهؤلاء يَدخُلون الجنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ولا عذابٍ، وقيل: المرادُ: أنَّ عددَ ما يَملَأُ تِلك الحثَياتِ الثَّلاثَ هو مَن يَدخُلُ الجنَّةَ فقط، وقيل: بل المرادُ أنَّ مع كلِّ ألفٍ سَبعينَ ألفًا وثلاثَ حثياتٍ، فيكونُ مجموعُ الحثَياتِ: ثلاثَ حثياتٍ في سَبعين مرَّةً، معَ تنزيهِ اللهِ تعالى عن مُشابَهةِ الخَلْقِ في الحَثْوِ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ ليس كمِثلِه شيءٌ، وكيفيَّةٌ حَثْوِ اللهِ لا يَعلَمُها إلّا اللهُ سبحانه.


المسألة الرابعة: الأشياء التي خلقها الرحمن بيده:

لا يعجز الله شيء، فإذا أراد شيئاً خلقه بكلمة (كن) ، فيكون كما أراد، إلا أنّه خلق بيده أشياء مما يدلّ على تكريمها، ورفع منزلتها، وعناية الله بها، والمخلوقات التي خلقها الله بيده، وذكرها لنا في كتابه أو وردت في سنة رسوله هي:

1- آدم:

وفي ذلك يقول تعالى لإبليس:  ما منعك أن تسجد لما خلقت بِيَدَيَّ .

وفي حدث الشفاعة الطويل: فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسكنك جنته. [البخاري(7440)]


2- كتب التوراة بيده:

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قال رسول الله  -:  تحاجَّ آدمُ وموسى عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ فقال موسى يا آدمُ أنتَ أبونا خلقَك اللَّهُ بيدِه ونفخَ فيكَ من روحِه وأسجدَ لَك ملائِكتَه خيَّبتَنا وأخرجتَنا من الجنَّة فقال آدمُ أنتَ موسى كلَّمَك اللَّهُ تَكليمًا وخطَّ لَك التَّوراةَ بيدِه واصطفاكَ برسالتِه فبِكم وجدتَ في كتابِ اللَّهِ تعالى {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى} قال بأربعينَ سنةً قال فتلومُني على أمرٍ قدَّرَه اللَّهُ عليَّ قبلَ أن يخلقَنيَ بأربعينَ سنةً قال رسولُ اللَّهِ  فحجَّ آدمُ موسى.  [البخاري (٦٦١٤)، ومسلم (٢٦٥٢)]


3- كتب بيده كتاباً موضوعاً عنده:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي  قال: لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده: غلبت - أو قال: سبقت - رحمتي غضبي، فهو عنده فوق العرش. [البخاري(7554)مسلم(2751)]

ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: رحمتي سبقت غضبي. [صحيح سنن ابن ماجة(156)]

في هذا الحديثِ: يقول النبيُّ : «إنَّ اللهَ كَتَب كتابًا قبلَ أن يَخلُقَ الخَلْقَ»، أي: إنَّ اللهَ تعالى كَتَب المقادِيرَ قبلَ أن يَخْلُقَ الخلقَ، ومِمّا كَتَب سبحانه وتعالى وهو عندَه فوقَ العَرْش: أنَّ رحمتَه تعالى سَبَقَتْ غَضَبَه؛ فهو سبحانه وتعالى الغَفُور الرَّحِيم، فكانتْ رحمتُه أسبقَ لعبادِه مِن الغَضَبِ

وورد إثبات كتابة الرحمن الكتاب بيده في كتاب السنة لابن أبي عاصم، ولفظه: لما قضى الله تعالى الخلق كتب بيده في كتاب عنده: غلبت أو قال: سبقت رحمتي غضبي، فهو عنده فوق العرش. [كتاب السنة، لابن أبي عاصم (608)]


4- غرس كرامة أهل الجنة بيده:

عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه –أن رسول الله  قال: سأل موسى ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال هو رجل يجئ بعدما أدْخل أهل الجنة الجنة، فيُقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب، وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من مُلوك الدنيا؟ فيقول: رضيتُ ربّ، فيقول: لك ذلك، ومِثلهُ ومِثلهُ ومِثلهُ، فقال في الخامسة: رضيت ربّ، فيقولُ: هذا لك، وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك فيقول: رضيت ربّ. قال: ربّ فأعلاهُم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، قال: ومصداقه في كتاب الله - عز وجل - فلا تعلم نفسٌ مَّا أُخْفِيَ لهم من قُرَّةِ أعينٍ جزاء بما كانوا يعملون.[مسلم(189)]


المسألة الخامسة: هل توصف يدي الله تعالى أنهما يمين وشمال؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:

أولها: أن كلتا يديه يمين واستدلوا بالحديث الصحيح وكلتا يديه يمين وهو قول الإمام أحمد وابن خزيمة وابن بطة  والبيهقي، والألباني.

عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنه ما مرفوعاً:  "إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يَمِين الرحمن عَزَّ وجَلَّ، وكلتا يديه يَمِين". [مسلم(1827)]

وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما مرفوعاً: "أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيَمِينه، وكلتا يديه يَمِين ... " . رواه: ابن أبي عاصم في [السنة  (106)] وصحَّحَه الألباني.

فالله سُبحانَه تُوصَفُ يَداه باليَمِين والشِّمالِ مِن حيثُ الاسْمِ، كما في حديثِ ابنِ عُمَرَ، وكِلْتاهُما يَمِينٌ مُبارَكَةٌ مِن حيثُ الشَّرَفِ والفضلِ، كما في هذا الحديثِ.

وسئل الشيخ الألباني-رحمه الله  تعالى- في [مجلة الأصالة (ع4، ص 68)] :

"كيف نوفِّق بين رواية: "بشماله" الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنه ما في "صحيح مسلم" وقوله : "وكلتا يديه يَمِين" ؟

الجواب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء؛ فقوله : " ... وكلتا يديه يَمِين" : تأكيد لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله  تأكيدٌ للتنْزيه، فيدُ الله ليست كيدِ البشر: شمال ويَمِين، ولكن كلتا يديه سبحانه يَمِين.

وأمر آخر؛ أنَّ رواية: "بشماله" : شاذة؛ كما بيَّنتها في "تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن" (رقم 1) للمودودي.

ويؤكد هذا أنَّ أبا داود رواه وقال: "بيده الأخرى" ، بدل: "بشماله" ، وهو الموافق لقوله : "وكلتا يديه يَمِين" ، والله أعلم

ثانيها: أنها تسمى الثانية يمين واستدلوا ثم يطوي الأرضين بشماله وهو قول الدارمي ومحمد بن عبد الوهاب.

ثالثها: أنها تسمى الأخرى واستدلوا بحديث ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى.

إنَّ تعليل القائلين بأنَّ إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ يَمِين والأخرى شمال، وأننا إنما نقول: كلتاهما يَمِين؛ تأدباً وتعظيماً؛ إذ الشِّمال من صفات النقص والضعف، قول قوي، وله حظٌ من النظر؛ إلا أننا نقول: إنَّ صفات الله توقيفية، وما لم يأتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في وصف إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ بالشِّمال أو اليَسَار؛ فإننا لا نتعدى قول النبي : « كلتاهما يَمِين». والله أعلم. [صفات الله عز وجل الوادرة في الكتاب والسنة(ص388)]


المسألة السادسة: هل لأصابع الرحمن عدد محدود؟

أما إثبات خمس أصابع لله فلا أراه باطلاً أو بعيداً فقد ثبت في السنة على لسان أعلم الخلق بالله -تعالى- أن لله أصابع في قوله --: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» [ مسلم (2654)] وغيره بألفاظ متقاربة من حديث ابن عمر - رضي الله عنه ما- لكن لم يرد في علمي في الكتاب والسنة عدد أصابع الرحمن محددة والذي ورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ  - فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ. قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ  حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: » وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [البخاري(7451) مسلم(2786)]

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه  -: قَالَ:

مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ  - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ  -: «يَا يَهُودِيُّ حَدِّثْنَا» فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا القَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ عَلَى ذِهْ، وَالأَرْضَ عَلَى ذِهْ، وَالمَاءَ عَلَى ذِهْ، وَالجِبَالَ عَلَى ذِهْ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى ذِهْ - وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ بِخِنْصَرِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ تَابَعَ حَتَّى بَلَغَ الإِبْهَامَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ. [الترمذي (3240) قال الألباني: صحيح]

وجاء في حديث النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ الْكِلَابِيُّ - رضي الله عنه  -:

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  - يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ  - يَقُولُ: « يَا مُثبِّتَ الْقُلُوبِ، ثبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. قَالَ: وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ».[سنن ابن ماجة  (199) قال الألباني: صحيح]

فنحن نثبت أن لله خمس أصابع ولا نكيف ولا نحددها بهذا العدد ولكن لا يجزم بأنه ليس لله غيرها ولا يثبت إذ لا نص فالله تعالى أعلم بذاته تعالى والله أعلم.

المسألة السادسة: هل يوصف الله تعالى بأن له ذراع وساعد؟

لم يأت دليل من الكتاب والسنة يثبت هذا فعليه لا نثبت لله تعالى هذا حتى يأت دليل صحيح صريح والله أعلم.


المرجع/ أحكام الكف ((ص8-22(( نسأل الله أن يسسر بطباعته.

❐أبّوَ مٌحُمٌدِ طِاُهرَ الُسِمٌاوَيَ❐:

     ════ ❁✿❁ ════
https://t.me/taheer77
     ════ ❁✿❁ ════
*✍ إنشـــر.فنشر.العــلم.من.أجل.القربـــات.ms*

✒حياة الأقران لابد أن تكون مبنية على التعاون والإنصاف.


حياة الأقران لابد أن تكون مبنية على التعاون والإنصاف.


قال الله تعالى -: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.
عن أبي موسى الأشعريّ- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا ثمّ شبّك بين أصابعه». [البخاري(6026)، مسلم(2585)].
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى -:
تنقسم أحوال من دخل في عداد الإخوان أربعة أقسام: منهم من يعين ويستعين، ومنهم من لا يعين ولا يستعين، ومنهم من يستعين ولا يعين، ومنهم من يعين ولا يستعين.
فأمّا المعين والمستعين فهو معاوض منصف يؤدّي ما عليه ويستوفي ماله، فهو كالمقرض يسعف عند الحاجة ويستردّ عند الاستغناء، وهو مشكور في معونته، ومعذور في استعانته، فهذا أعدل الإخوان.
وأمّا من لا يعين ولا يستعين فهو متروك قد منع خيره وقمع شرّه فهو لا صديق يرجى، ولا عدوّ يخشى، وإذا كان الأمر كذلك فهو كالصّورة الممثّلة، يروقك حسنها، ويخونك نفعها، فلا هو مذموم لقمع شرّه، ولا هو مشكور لمنع خيره، وإن كان باللّوم أجدر.
وأمّا من يستعين ولا يعين فهو لئيم كلّ، ومهين مستذلّ قد قطع عنه الرّغبة وبسط فيه الرّهبة،فلا خيره يرجى ولا شرّه يؤمن، وحسبك مهانة من رجل مستثقل عند إقلاله، ويستقلّ عند استقلاله فليس لمثله في الإخاء حظّ، ولا في الوداد نصيب.
وأمّا من يعين ولا يستعين فهو كريم الطّبع، مشكور الصّنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء، فلا يرى ثقيلا في نائبة، ولا يقعد عن نهضة في معونة.
فهذا أشرف الإخوان نفسا وأكرمهم طبعا فينبغي لمن أوجد له الزّمان مثله، وقلّ أن يكون له مثل؛ لأنّه البرّ الكريم والدّرّ اليتيم، أن يثني عليه خنصره، ويعضّ عليه بناجذه ويكون به أشدّ ضنّا منه بنفائس أمواله، وسنيّ ذخائره؛ لأنّ نفع الإخوان عامّ، ونفع المال خاصّ، ومن كان أعمّ نفعا فهو بالادّخار أحقّ، ثمّ لا ينبغي أن يزهد فيه لخلق أو خلقين ينكرهما منه إذا رضي سائر أخلاقه، وحمد أكثر شيمه؛ لأنّ اليسير مغفور والكمال معوز. [أدب الدنيا والدين للماوردي (211-213) بتصرف]
قال ابن المعتزّ- رحمه الله تعالى -: من اتّخذ إخوانا كانوا له أعوانا. [ أدب الدنيا والدين(200) ]
قال المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه -: التّارك للإخوان متروك. [أدب الدنيا والدين (211)].
وقال الشافعي – رحمه الله تعالى -: ضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من آخى من لا عقل له. [السير(10/41)]
قال العتابي لصاحب له: ما أحوجك إلى أخ كريم الأخوة، كامل المروءة، إذا غبت خلفك، وإذا حضرت كنَفَك، وإذا نكرت عرفك، وإذا جفوت لاطفك، وإذا بررت كافأك، وإذا لقي صديقك استزاده لك، وإن لقي عدوك كفَّ عنك غرب العادية، وإذا رأيته ابتهجت، وإذا باثَثْتَهُ استرحت.[كما في المنتقى من بطون الكتب(1/19)]
ومن تلك الأمور التي ينبغي التنبيه عليها:
1- الكتابة والقراءة.
عن معمر بن راشد- رحمه الله تعالى - قال: دخلت أنا وابن جريج مسجداً ومعي ألواح ومعه ألواح فجعل يكتب عني وأكتب عنه. [المصدر السابق(1667)]
إبراهيم الحربي وذاكروه النزول في الأخذ فقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: وقيل له: مالك على قدره يسمع من نظرائه قال: وما عليه يزداد به علما ولم يضره. [المصدر السابق(1670)]
وكان سفيان بن عيينة - رحمه الله تعالى - يقول :
لا يكون الرجل من أهل الحديث حتى يأخذ عمن فوقه وعمن هو دونه وعمن هو مثله. [المصدر السابق(1672)]
عبد الرحمن بن مهدي يقول: سمع سفيان الثوري مني حديثا فكتبه. [المصدر السابق(1674)]
كان قتيبة بن سعيد ، يقول: كتبت الحديث مع ابن المبارك وكتبت عنه وكتب عني. [المصدر السابق(1677)]
ذكر الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - في ترجمة - معمر بن عبد الواحد الأصبهاني -.
قال السمعاني – رحمه الله تعالى -:
شاب كيس حسن العشرة سخي النفس متودد قاضٍ للحوائج أكثر ما سمعت بأصبهان كان بإفادته يدور معي من بكرة إلى الليل، شكر الله سعيه، ثم كان ينفذ إلي الأجزاء لأكتبها ويكتب لي وفاة الشيوخ وحدثني بجزء انتقاه لي عن شيوخه.[تذكرة الحفاظ(4/77)].
قال الذهبي – رحمه الله تعالى - في ترجمة - ابن الخاظبة البغدادي رحمه الله -.
قال بن سكرة: كان محبوبًا إلى الناس كلهم فاضلا حسن الذكر ما رأيت مثله على طريقته، وكان لا يأتيه مستعير كتابًا إلا أعطاه أو دله عليه. [تذكرة الحفاظ(4/17)].
قال حماد: مات أبو قلابة بالشام فاوصى بكتبه لأيوب السختياني فجىء بها في عدل راحلة. وقال ابن علية أخبرنا أيوب قال أوصى لي أبو قلابة بكتبه فأتيت بها من الشام فأديت كراءها بضعة عشرة درهما. [تذكرة الحفاظ(1/73)]
فإذا بلغ عن أخيك شيئاً فتثبت عنه واكتب إليه واستفهم ولا تتعجل ولا تتسرع فإن العجلة علامة الجهل.
كتب عبيد الله بن عبد اللهّ إلى عُمَر بنِ عبد العزيز، وبلغه عنه شيء يكرهه:
أبا حَفْص أتاني عَنك قَول ... قُطعتُ به وضَاق به جَوابي
أبا حَفْص فلاَ أدْرِي أَرَغْمِي ... تُريد بما تُحاول أم عِتابي
فإنْ تك عاتباً تُعْتِبْ وإلا ... فما عُودي إذاً بيَرَاع غاب
وقد فارقتُ أعظمَ منك رُزءًا ... وواريتُ الأحِبَّة في التراب
وقد عَزًّوا علي واْسْلمَوني ... معاً فَلَبْستُ بعدهُم ثِيابي
[العقد الفريد(1/164)]

2-البذل والعطاء والإعانة وتفقد الأخ والسؤال عنه.
قال عطاء بن أبي رباح - رحمه الله تعالى -:
تفقّدوا إخوانكم بعد ثلاث فإن كانوا مرضى فعودوهم أو مشاغيل فأعينوهم أو كانوا نسوا فذكّروهم. [الإخوان لابن أبي الدنيا (194)]
قال أبو جعفر بن صهبان- رحمه الله تعالى-: كان يقال: أوّل المودّة طلاقة الوجه، والثّانية التّودّد، والثّالثة قضاء حوائج النّاس. [الإخوان لابن أبي الدنيا (194)]
علي بن عاصم – رحمه الله تعالى - قال:
خرجت من واسط إلى الكوفة أنا وهشيم لنلقى منصورا ، فلما خرجت من واسط سرت فراسخ لقيني إما أبو معاوية أو غيره فقلت : أين تريد قال : أسعى في دين علي قال : فقلت : ارجع معي فإن عندي أربعة آلاف درهم أعطيك منها ألفين فرجعت فأعطيته ألفين ثم خرجت فدخل هشيم الكوفة بالغداة ودخلتها بالعشي فذهب هشيم فسمع من منصور أربعين حديثا ودخلت أنا الحمام فلما أصبحت مضيت فأتيت باب منصور فإذ جنازة فقلت : ما هذه ؟ قالوا : جنازة منصور فقعدت أبكي ...الخ. [الجامع لأحكام الراوي(1750)].
قال الذهبي - رحمه الله تعالى – في ترجمة الفضيل:
وكان يعيش من صلة ابن المبارك ونحوه من أهل الخير، ويمتنع من جوائز الملوك. [السير(8/442)]
قال أبو حازم الأعرج: لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا وما رأيت فيه متمارين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا. [تذكرة الحفاظ(1/100)]

3- الثناء والاعتراف بالفضل للأخر.
من أعظم ما يحلب المحبة ويألف القلوب لهو الثناء وإنزال الناس منازلهم والاعتراف لهم بالفضل والخير وهذا أمر معترف به في دين الله تبارك وتعالى فالله جل وعلا يحب الثناء وقد أثنى الله على نفسه وعلى ملائكته وعلى أنبيائه ورسله وعلى عباده الصالحين في كتاب الله تعالى وسار على ذلك رسول الله فكم نفتش ونذكر من ثنائه على أصحابه بل وعلى من لم يره من أتباعه عليه الصلاة والسلام والصحابة والعلماء والصالحين من الاعتراف بالفضل والخير لأهله هذه طريقتهم وهذا دأبهم ولكن ينبغي أن يضبط ذلك بميزان العدل والإنصاف وعدم الإجحاف وترك الإطراء المذموم والتنبه إلى فتنة الرجل في مدحه فهذا وغيره من الضوابط أمر واجب لازم وأدلة ذلك كثيرة جداً.
روى الذهبي عن الطحاوي – رحمهما الله تعالى - قال: حدثنا يونس: سمعت سفيان وذكر حديثا فقالوا: يخالفك فيه مالك، فقال: أتقرنني بمالك ؟ ما أنا وهو إلا كما قال جرير:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن * لم يستطع صولة البزل القناعيس.
[السير(8/74)]
قال المحقق للسير: ابن اللبون: ما أوفى على ثلاث سنين، لز: ربط. القرن: الحبل الذي يشد به البعيران ونحوهما فيقرنان معا، والبزل: جمع بازل: البعير الذي دخل في السنة التاسعة، والقناعيس: جمع قنعاس: الجمل العظيم الجسم، الشديد القوة، قال البغدادي: ضربه مثلا لمن يعارضه ويهاجيه، يقول: من رام إدراكي كان بمنزلة ابن اللبون إذا قرن في قرن مع البازل القنعاس، إن صال عليه لم يقدر على دفع صولته ومقاومته، وإن رام النهوض معه قصر عن عدوته.
وعن سليمان بن يسار – رحمه الله تعالى - أنّ أبا سلمة بن عبد الرّحمن وابن عبّاس اجتمعا عند أبي هريرة. وهما يذكران المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال. فقال ابن عبّاس عدّتها آخر الأجلين. وقال أبو سلمة قد حلّت. فجعلا يتنازعان ذلك. قال: فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي (أبي سلمة) فبعثوا كريبا (مولى ابن عبّاس) إلى أمّ سلمة يسألها عن ذلك؟ فجاءهم فأخبرهم أنّ أمّ سلمة قالت: إنّ سبيعة الأسلميّة نفست بعد وفاة زوجها بليال. وإنّها ذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأمرها أن تتزوّج. [مسلم(1485) ]
قال ابن عبد البر – رحمه الله تعالى - في التعليق على هذا الحديث الذي أورده في التمهيد: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَلَالَةِ أَبِي سَلَمَةَ وَأَنَّهُ كان يفتي مَعَ الصَّحَابَةِ وَأَبُو سَلَمَةَ الْقَائِلُ لَوْ رَفَقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لَأَخْرَجْتُ مِنْهُ عِلْمًا
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَتَنَاظَرُونَ وَلَمْ يَزَلْ مِنْهُمُ الْكَبِيرُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا يَمْنَعُونَ الصَّغِيرَ إِذَا عَلِمَ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا عَلِمَ وَرُبَّ صَغِيرٍ فِي السِّنِّ كَبِيرٌ فِي عِلْمِهِ وَاللَّهُ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُنَاظَرَةَ وَطَلَبَ الدَّلِيلِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ كَانَ قَدِيمًا مِنْ لَدُنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ هَلُمَّ جَرًّا لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ عِنْدَ التَّنَازُعِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَفِيمَا فِيهِ نَصٌّ أَيْضًا إِذَا احْتَمَلَ الْخُصُوصَ لِأَنَّ السُّنَّةَ تُفِيدُ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ كِتَابِهِ. [التمهيد(23/150-151) ]

4- الدعاء.
عن أمّ الدّرداء - رضي اللّه عنها - قالت لصفوان بن عبد اللّه بن صفوان، لمّا قدم عليها من الشّام وكان متزوّجا أمّ الدّرداء: أتريد الحجّ العام؟ قال: نعم. قالت: فادع اللّه لنا بخير. فإنّ النّبيّ كان يقول: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكّل. كلّما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكّل به: آمين ولك بمثل». [البخاري(6338)].
الدعاء شأنه عظيم في جلب القلوب واجتماعها لاسيما إن كانت على الخير والعلم والدعوة إلى الله تعالى وقد بين لنا الحبيب محمد هذا المنهاج العظيم في الدعاء للغير فكان عليه الصلاة والسلام يدعو لأصحابه خاصة بالخير بل كان يدعو احتى للكفار لمن يرجو منهم الإسلام عليه الصلاة والسلام فهلا سرنا على ملازمة الدعاء لبعضنا البعض كمسلمين لا سيما في ظهر الغيب فإنه أبعد عن الرياء والمجاملة وقد دعا رسول الله لابن عباس وأنس وجرير أبي هريرة وأمه وغيرهم كثير ودعا لدوس وللأنصار والمهاجرين وغيرهم من العباد كثير جداً بل دعا لأمته وخبأ دعوته لهم يوم القيامة.
فالدعاء لمن يرجى منه الصلاح ومن صلاحه صلاح العباد كالأمراء والعلماء والدعاة والأشراف والكبراء والأولاد والنساء والجيران بل وكل العباد أمر مهم جداً نسأل الله النفع والخير لنا ولسائر المسلمين.

5- التواضع.
عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول اللّه قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا» ... الحديث، وفيه: «وإنّ اللّه أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» [مسلم(2856)].
عن حارثة بن وهب الخزاعيّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟» قالوا: بلى. قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ ضعيف متضعّف لو أقسم على اللّه لأبرّه». [البخاري (6071)، مسلم (2853) واللفظ له].
كان وكيع – رحمه الله تعالى - يقول :
لا يكون الرجل عالما حتى يسمع ممن هو أسن منه وممن هو دونه وممن هو مثله. [الجامع لأخلاق الراوي(1665)].
سئل الفضيل بن عياض– رحمه الله تعالى - عن التّواضع؟ فقال: «يخضع للحقّ، وينقاد له ويقبله ممّن قاله، ولو سمعه من صبيّ قبله، ولو سمعه من أجهل النّاس قبله» [مدارج السالكين (2/ 342)].
قال الجنيد بن محمّد: التّواضع هو خفض الجناح ولين الجانب. [مدارج السالكين (2/ 342)].
قال العَوَّامي لعلي بن عيسى الوزير: إن الحال بينك وبين ابن مجاهد صفيقة، فما الذي قربه منك، ونَفَّقه عليك، وأولعك به؟
قال: وجدته متواضعاً في علمه، هشاً في نسكه، كتوماً لسره، حافظاً لمروءته، شفيقاً على خليطه، حسن الحديث في حينه، محمود الصمت في وقته، بعيد القرين في عصره، والله لو لم يكن فيه من هذه الأخلاق إلا واحدة لكان محبوباً، ومقبولاً.[كما في المنتقى من بطون الكتب(1/26)]
6- العفو والسماحة.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه : «من أقال مسلما أقال اللّه عثرته»[أبو داوود (3460)وحسنه العلامة الألباني].
وقال الذهبي – رحمه الله تعالى - [في ترجمة ابن أبي داود]:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَقُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ: كُلُّ النَّاسِ مِنِّي فِي حِلٍّ إِلاَّ مَنْ رَمَانِي بِبُغْضِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ فِي الاَبْتِدَاءِ يُنْسَبُ إِلَى شَيْء مِنَ النَّصْبِ، فَنَفَاهُ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى وَاسِطَ، فَرَدَّهُ ابْنُ عِيْسَى، فَحَدَّثَ، وَأَظْهَرَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ ثُمَّ تَحَنْبَلَ، فَصَارَ شَيْخاً فِيهِم.
قال الذهبي: كَانَ شَهْماً، قَوِيَّ النَّفْسِ، وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَبَيْنَ ابْنِ صَاعِدٍ وَبَيْنَ الوَزِيْرِ؛ ابْنِ عِيْسَى الَّذِي قَرَّبَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَطَّانُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ جَرِيْرٍ، فَقِيْلَ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ فَضَائِلَ الإِمَامِ عَلِيٍّ.
فَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: تَكْبِيْرَةٌ مِنْ حَارِسٍ.-كأنه وصفه بالقول بما لا يعتقد والله أعلم-
قال الذهبي: لاَ يُسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ جَرِيْرٍ للعَدَاوَةِ الوَاقِعَةِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ. [السير(13/320)]
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى ... وفارق ولكن بالتي هي أحسن
سامح صديقك إن زلت به قدمُ ... فليس يسلمُ إنسان من الزللِ
وقال القاسم بن مخيمرة: ما أغلقت بابي ولي خلفه هم. [تذكرة الحفاظ(1/92)]

7- الدفاع عنه ونصرته إذا ظُلم.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه : «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه».[رواه أبو داوود(4918) وحسنه العلامة الألباني]
وعن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول اللّه بسبع ونهانا عن سبع. فذكر عيادة المريض واتّباع الجنائز وتشميت العاطس وردّ السّلام، ونصر المظلوم وإجابة الدّاعي وإبرار القسم.[البخاري(2445)،مسلم(2066)].

8- إعانته في كف الأذى إذا ظَلم.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال: رسول اللّه : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». قال: يا رسول اللّه، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟. قال: «تأخذ فوق يديه». [البخاري (2444)]

9- كف الأذى عنه.
عن ابن عمر- رضي الله عنهما - قال: قال: رسول اللّه -: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج اللّه عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره اللّه يوم القيامة». [البخاري(2442) مسلم(2580)].

10- العذر في المسائل الاجتهادية.
قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى -:
مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم يُنكر عليه ولم يُهجر، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه، وإذا كان في المسألة قولان؛ فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا؛ قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين، والله أعلم. [مجموع الفتاوى(20 / 207)]
وقال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.
قلت[الذهبي]: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون. [السير(10/ 16)]
11- الستر والنصح سراً.
قال يحيى: ما رأيت على رجل أخطأ إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلاً في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه، فإن قبل ذلك، وإلا تركته. [السير(11/ 83)]
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
من كان مظهراً للفجور أو البدع يجب الإنكار عليه ونهيه عن ذلك، وأقل مراتب الإنكار هجره لينتهي عن فجوره وبدعته، ولهذا فرق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية؛ فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه، بخلاف الساكت؛ فإنه بمنزلة من أسر بالذنب، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر، فإن الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، ولكن إذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة، ولهذا كان المنافقون تقبل منهم علانيتهم وتوكل سرائرهم إلى الله تعالى، بخلاف من أظهر الكفر. [مجموع الفتاوى (23 / 342)]

12- أن يكون الحق مقدم على كل شيء مقبول من الجميع.
قال عباس الدوري: حدثنا يحيى بن معين، قال: حضرت نعيم بن حماد بمصر، فجعل يقرأ كتابا صنفه، فقال: حدثنا ابن المبارك، عن ابن عون، وذكر أحاديث، فقلت: ليس ذا عن ابن المبارك، فغضب، وقال: ترد علي ؟ قلت: إي والله، أريد زينك، فأبى أن يرجع، فلما رأيته لا يرجع، قلت: لا والله، ما سمعت هذه من ابن المبارك، ولاسمعها هو من ابن عون قط.
فغضب، وغضب من كان عنده، وقام فدخل، فأخرج صحائف، فجعل يقول، وهي بيده: أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس بأمير المؤمنين في الحديث ؟ نعم، يا أبا زكريا: غلطت، وإنما روى هذه الاحاديث غير ابن المبارك، عن ابن عون.[السير(11/ 89-90)].

13- الفرح بما يفتح الله من العلم والعمل والقبول والدعوة.
فالعالم المخلص هو الذي يفرح بنصرة الدين والسنة سواء كان على يده أو على يد غيره ولو كان أقل منه علما لأن الأصل النصر لدين الله وإعلاء كلمته سبحانه وتعالى وإذا كان هذا شأن العالم والداعي إلى الله فهذا من أعظم الأدلة على إخلاصه وإرادته وجه الله تبارك وتعالى فهنيئا لمن كان هذا خلقه وسيره فهو بعيد عن الحسد والغل الذي يصاب به بعض الدعاة يريد أن لا يكون في الواجهة والصدارة إلا هو إذا فتح الله على طالب في القبول بين الناس تتبع عثراته وزلاته وحاسبه محاسبة الشريك لشريكه والقصد هو النفع مع ملازمة السنة نسأل الله تعالى التوفيق والسداد وملازمة الحق.

14- التغاضي والتغافل.
قال ابن الحافظ العراقي عند حديث إن الله يحب الرفق في الأمر كله: وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَغَافُلِ أَهْلِ الْفَضْلِ عَنْ سَفَهِ الْمُبْطِلِينَ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَفِي التَّنْزِيلِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، عَظِّمُوا مَقَادِيرَكُمْ بِالتَّغَافُلِ وَهَذَا الْكَلَامُ مِمَّا كَانَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤَدِّبُنِي بِهِ فِي مَبْدَأِ شَبَابِي حِينَ يَرَى غَضَبِي مِنْ كَلِمَاتٍ تَرِدُ عَلَيَّ. [طرح التقريب في شرح التثريب(8/111)].

وعن ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلَا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. [مقدمة صحيح مسلم]
عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. [مقدمة صحيح مسلم]
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ. [مقدمة صحيح مسلم]

وقال الذهبي – رحمه الله تعالى -:
فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ، واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه، فالله حكم مقسط، ثم يحمد الله على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له. [السير(8/80-81)].

قال عبدالله بن جعفر: كمال الرجل بخلال ثلاث:
معاشرة أهل الرأي والفضيلة، ومداراة الناس بالمخالقة الجميلة، واقتصاد من غير بخل في القبيلة، فذو الثلاث سابق، وذو الاثنين زاهق، وذو الواحدة لاحق، فمن لم تكن فيه واحدة من الثلاث لم يسلم له صديق، ولم يتحنَّن عليه شفيق، ولم يتمتع به رفيق.[كما في المنتقى من بطون الكتب(1/19)].

15 - الإجلال والتعظيم والمحبة.
فحقُّ الجليس إذا دنا أن يُرحب به، وإذا جلس أن يوسع له، وإذا حدث أن يُقْبَل عليه، وإذا عثر أن يقال، وإذا أُنقص أن ينال، وإذا جهل أن يُعَّلم. [كما في المنتقى من بطون الكتب(1/23)]

16- ترك حضوض النفس.
عن يزيد بن أبي حبيب المصري قال: لا أدع أخا لي يغضب علي مرتين, بل انظر الأمر الذي يكره فأدعه. [تذكرة الحفاظ(1/98)].

17- حسن الخلق مع الإخوان.
قال محمد بن الحنفية: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد بُدَّاً من معاشرته حتى يجعل الله له من ذلك مخرجاً.
قال الجُنَيْد: لو صحبني فاجر حسن الخُلُق كان أحبَّ إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق.
قال برهان: لأن الفاجر الحسن الخلق يُصلحني بحسن خُلقه، ولا يضرني فجوره، والعابد السيئ الخلق يفسدني بسوء خلقه، ولا ينفعني بعبادته؛ لأن عبادة العابد له، وسوء خلقه عليَّ، وفجور الفاجر عليه، وحسن خلقه لي.
18- البشر والبشاشة.
هي سرور يظهر في الوجه يدلّ به على ما في القلب من حبّ اللّقاء والفرح بالمقابلة. فمن أظهره كان مأجوراً ينال الخير والثواب وهذا يعتبر من الصدقة التي تكون من العبد على الناس بحسن لقائهم والبشاشة والبشر في وجوههم.
فعن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه : «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [مسلم(2626)]
وعن جرير بن عبد اللّه البجليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: ما حجبني رسول اللّه منذ أسلمت، ولا رآني إلّا تبسّم في وجهي ولقد شكوت إليه أنّي لا أثبت على الخيل. فضرب بيده في صدري وقال: اللّهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا» .[البخاري(3035)، مسلم (2475)]
وقال حماد: ما رأيت رجلا قط أشد تبسماً في وجوه الناس من أيوب. [تذكرة الحفاظ(1/99)].
قال بعض الشّعراء:
أزور خليلي ما بدا لي هشّه ... وقابلني منه البشاشة والبشر.
فإن لم يكن هشّ وبشّ تركته ... ولو كان في اللّقيا الولاية والبشر.
وحقّ الّذي ينتاب داري زائرا ... طعام وبرّ قد تقدّمه بشر.

المرجع/ حياة الأقران وكلام بعضهم في بعض(ص 142-154)
نسأل الله أن ييسر بطباعته


════ ❁✿❁ ════
https://t.me/taheer77
════ ❁✿❁ ════
*✍ إنشـــر.فنشر.العــلم.من.أجل.القربـــات.ms*

تلحين العبادات القولية

  📮التلحين في العبادات القولية. بالنسبه للتلحين في العبادات القولية لا يوجد عبادة من العبادات يشرع فيها التلحين والذي هو مشروع تحسين الصوت ...