الأحد، 2 فبراير 2020

إثبات اليد والكف والأصابع والأنامل لله تعالى.

المبحث الرابع: إثبات اليد والكف والأصابع والأنامل لله تعالى.

المسألة الأولى: الأدلة على وصف اليد لله تعالى:

أولاً: الْيَدِ  

الْيَدِ لِلْخَالِقِ الْبَارِئِ جَلَّ وَعَلَا وَالْبَيَانُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ يَدَانِ، كَمَا أَعْلَمَنَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدَيْهِ قَالَ الله  عَزَّ وَجَلَّ لِإِبْلِيسَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وَقَالَ الله جَلَّ وَعَلَا تَكْذِيبًا لِلْيَهُودِ حِينَ قَالُوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ, فَكَذَّبَهُمْ فِي مَقَالَتِهِمْ، وَقَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ أَعْلَمَنَا أَنَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ , وَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ, وَقَالَ الله : فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تَرْجَعُونَ وَقَالَ الله : تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , وَقَالَ الله : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا

عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال: رسول الله  -:  إِنَّ العبدَ إذا تَصَدَّقَ من طَيِّبٍ تَقَبَّلَها اللهُ مِنْهُ، وأَخَذَها بِيَمِينِهِ فَرَبّاها، كما يُربِّي أحدُكُمْ مُهْرَهُ أوْ فَصِيلهُ، وإِنَّ الرجلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ، فَتَرْبُو في يَدِ اللهِ أوْ قال: في كَفِّ اللهِ حتى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ، فَتَصَدَّقُوا. [صحيح الترغيب (٨٥٦)]

يُحبِّبُنا النَّبيُّ  في الصَّدقاتِ، فمَن تَصدَّق بقيمةِ تمرةٍ مِن كَسبٍ حلالٍ- ولا يقبَلُ اللهُ إلّا الكسبَ الحلالَ- فاللهُ يتقبَّلُها بيمينِه، ثمَّ يُنمِّيها ويُضاعِفُ أجرَها لتثقُلَ في الميزانِ، كما يُربِّي أحدُكم مُهْرَه، حتّى تكونَ مِثلَ الجبَل.

والحاصلُ أنَّ مَن تصدَّق بصدقةٍ قليلةٍ خالصة مِن الرِّياء والسُّمعة مِن مالٍ حلال، فإنَّ اللهَ يكبِّرُ صورتَها، ويضاعِفُ ثوابها، ويُثقِّلُ وزنَها في ميزانِه يومَ القيامة، حتّى تكونَ كالجبلِ الضَّخمِ في صورتِها ووزنِها.

وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقبَلُ عند اللهِ تعالى إلّا إذا كانت طيِّبةً، بأن تكونَ خالصةً لله، ومِن كسبٍ حلالٍ.

وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقوَّمُ بحجمِها، وإنَّما تُقوَّمُ بإخلاصِ صاحبها، وبالمالِ الَّذي خرَجَتْ منه، حلالًا كان أو حرامًا.

وفيه: أنَّ الأعمالَ الصّالحةَ تحوَّلُ يومَ القيامة إلى أجرامٍ مادِّيَّةٍ، لها صورةٌ وحجمٌ ووزنٌ، فتوضَعُ في ميزانِ العبدِ، وتُوزَنُ في كِفَّةِ حسناتِه.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال: رسول الله  -: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وقالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأى لا تَغِيضُها نَفَقَةٌ سَحّاءُ اللَّيْلَ والنَّهارَ، وقالَ: أرَأَيْتُمْ ما أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّماءَ والأرْضَ، فإنَّه لَمْ يَغِضْ ما في يَدِهِ، وكانَ عَرْشُهُ على الماءِ، وبِيَدِهِ المِيزانُ يَخْفِضُ ويَرْفَعُ. [ البخاري (٤٦٨٤) واللفظ له، ومسلم (٩٩٣)]

يُبيِّنُ النَّبيُّ  في هذا الحديثِ القُدسيِّ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: «أَنفِقْ أُنفِقْ عليكَ، وقال: يَدُ اللهِ مَلأى»، أيْ: شديدة الامتِلاء بالخَير، «لا تَغِيضُها»، أي: لا تَنقُصُها، «نفَقةٌ، سَحّاءُ اللَّيلِ والنَّهارِ»؟، «وسحّاء»، أي: كثيرةُ العطاءِ، وقال : «أخبِروني ما أَنْفَق»، أي: الذي أنفَقَه منذُ خَلَق السَّماء والأرض؛ «فإنَّه لم يَغِضْ»، أي: لم يَنقُصْ ما في يَدِه، «وكان عَرْشُه على الماءِ، وبيدِه المِيزانُ: يَخْفِض» مَن يَشاءُ، «ويَرفَع» مَن يَشاء، وأئمَّةُ السُّنَّةِ على وُجوبِ الإيمانِ بهذا الحديثِ وأشباهِه من غَيرِ تأويلٍ؛ بل يُمرُّونَه على ظاهرِه كما جاءَ، ولا يُقال: كيف.

في الحديث: الحَضُّ على الإنفاقِ فِي الواجباتِ كالنفقةِ على الأهلِ، وصِلةِ الرَّحمِ، ويَدخُل فيه أيضًا صَدقةُ التطوُّعِ، والوعدُ بإخلافِ اللهِ تعالى على المُنفِقِ.

وفيه: إثباتُ صِفةِ اليَدِ للهِ سبحانه على ما يَليقُ بكمالِه وجلالِه.

عن عرفجة بن شريح – رضي الله عنه – قال قال: رسول الله  -:  إنَّهُ سيَكونُ بعدي هَناتٌ وهَناتٌ فمن رأيتُموهُ فارقَ الجماعةَ أو يريدُ يفرِّقُ أمرَ أمَّةِ محمَّدٍ صلّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كائنًا من كانَ فاقتلوهُ فإنَّ يدَ اللَّهِ على الجماعةِ فإنَّ الشَّيطانَ معَ من فارقَ الجماعةَ يركضُ. [ صحيح النسائي (٤٠٣٢)].


 ثانياً: وَالأنامل

عَن معَاذ بن جبل- رضي الله عنه  – قَالَ: احْتبسَ عَنَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... قَالَ فرأيته وضع كَفه بَين كَتِفي فَوجدت برد أنامله بَين ثديي فتجلى لي كل شَيْء....الحديث. [صحيح الجامع (59) وهداية الرواة (693)]

قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فرَأيتُه وضَع كَفَّه بينَ كَتِفيَّ حتَّى وجَدتُ برْدَ أنامِلِه بينَ ثَديَيَّ"، أي: شَعَرتُ ببَرْدِها على قَلْبي وصَدْري، كأنَّه أرادَ بذلك أن يَضَعَ الفَيْضَ في قلبِه بنُزولِ الرَّحمةِ، وانْصِبابِ العُلومِ عليه، وهذا مِن تَخْصيصِه إيَّاه بمَزيدِ الفضلِ عليه؛ لأنَّ مِن دَيْدَنِ الملوكِ إذا أرادوا أن يُدْنوا إلى أنفُسِهم بعْضَ خدَمِهم يضَعون أيدِيَهم عليهم تَلطُّفًا بهم، وتعظيمًا لشأنِهم، ووضْعُ اليدِ نُؤمِنُ به مِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ ولا تعطيلٍ، ولا نُفسِّرُه بما يُفسَّرُ به صِفاتُ الخَلْقِ، بل يُوكَلُ عِلمُ الكيفيَّةِ إلى اللهِ تعالى.

وفيه: إثباتُ أنَّ للهِ تعالى كفًّا وأنامِلَ تَليقُ بذَاتِه وجَلالِه.


ثالثاً: الأصابع.

عن النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ - رضي الله عنه  -: قال:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ، يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ» قَالَ: «وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ قَوْمًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». [الصحيحة (2091)]

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه  -: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ، وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا» وَأَشَارَ الْأَعْمَشُ بِإِصْبَعَيْهِ. [سنن ابن ماجة (3834) قال الألباني: صحيح]

قال السفاريني - رحمه الله  تعالى -:

وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: ذِكْرُ الْأَصَابِعِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا، فَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا. [لوامع الأنوار البهية (1/236)]

الإصبع في كلام العرب تقع على النعمة والأثر الحسن وهذا المعنى لا يجوز في هذا الحديث، فكون الإصبع معلوماً بقوله -  -، وكيفيته مجهولة، وكذلك القول في جميع الصفات يجب الإيمان به، ويترك الخوض في تأويله، وإدراك كيفيته.

قال العلامة العثيمين – رحمه الله  تعالى -:

يقول: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ أي: مقبوضة له، أي: في مُلْكِه وتَصَرُّفِه. ففسَّر المؤلف القبضَ بمعنى الملك والتَّصَرُّف. وفي هذا نظر ظاهر، بل هذا تحريف؛ لأن الملك والتصرف، كل شيء في ملكه وتصرفه، الأرض والسماء يوم القيامة وقبلَ يوم القيامة، لكن القَبْضَة بمعنى المقبوضة التي تكون في اليد تُحيطُ بها اليد هذه هي القبضة، فيقال مثلًا: قبضة مِنْ طعام، ما معنى قبضة من طعام؟ يعني أن الإنسان يقبض الطعام بيده هكذا، فالأرض يوم القيامة قبضة الله عز وجل، وقد جاء ذلك مبينًا في حديث عبد الله بن مسعود في قصة النبي  مع حَبْرٍ من أحبار اليهود: «أَنَّ الله يجعل الأرض على إصبع والشجر على إصبع والجبال على إصبع » إلى آخره، فالصواب المتعيِّن أن يُقال: المراد بالقبضة أنها في قبضة يده عز وجل.

فإن قال قائل: وهل يجوز لنا أن نُمَثِّل هذه القبضة، بحيث نأخذ تَمْرَةً أو تفاحة ونضعها في أيدينا، ونقول: قَبْضَتُهُ ثم نقبض على التفاحة أو التمرة؟

الجواب: لا؛ لأننا لو فعلنا ذلك لكان هذا تمثيلًا لقبضة الله سبحانه وتعالى للأرض، وهذا لا يجوز. أما أن نبين معنى القبضة فلا بأس، بأن نقول: القبضة هي وضع الشيء في اليد ثم قبضه بها، لكن نُكَيِّف كيف قبض الله عز وجل على الأرض هذا خلاف معتقد أهل السنة والجماعة، كما هو معروف للجميع.

وقوله: يَوْمَ الْقِيَامَةِ هذه ظرف للقبضة؛ أي: أنها تكون قبضة له يوم القيامة، ويوم القيامة هو اليوم الذي يُبْعَث فيه الناس من قبورهم لله عز وجل. [تفسير ابن عثيمين()]

رابعاً: الكف.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه  - قال: قَالَ رَسُولُ الله -  -«مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ الله إِلاَّ الطَّيِّبَ، إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ, وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، وَإِنْ كانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ». [ البخاري (1410، 7430) تعليقاً، ومسلم (1014)]

يُخبِر الرَّسولُ  عن عِظَمِ مِنَّةِ الله تعالى وكَرَمِه؛ فيقول: «مَن تصدَّق بعَدْل»، أي: ما يساوِي ويُعادِل، أو قِيمَة «تَمْرَة مِن كَسْبٍ طيِّبٍ» حلال، «ولا يَصْعَدُ إلى الله إلّا الطَّيِّبُ» جُملة معترِضةٌ معناها: لا يَقْبَلُ الله تعالى إلّا الحلالَ، «فإنَّ الله يتقبَّلها بِيَمِينِه»، أي: بِيَدِه اليُمْنى كَرامةً لها، وكِلْتا يَدَيْه تعالى يَمِينٌ مبارَكة، «ثُمَّ يُرَبِّيها»، أي: يُنَمِّيها ويعظِّمها «لصاحبِها، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ» وهو المُهْرُ، أي: الصَّغيرُ من الخَيْل الَّذِي يَحتاجُ للرِّعاية والتربِيَة، «حتّى تكونَ مِثْلَ الجَبَلِ» حَجْمًا وثِقَلًا يومَ القيامةِ.

وفي الحديثِ: إثباتُ اليدِ للهِ تعالى على ما يَليقُ بكمالِه سبحانَه.

فاليد والكف الأصابع والأنامل صفة ذاتية خبرية ثابتة لله عز وجل بالأحاديث الصحيحة التي مر ذكرها وغيرها كثير عن النبي -  -، والإيمان بها واجب، والبحث عن كيفيتها منكر وباطل لا يجوز الدخول فيه كما هي عقيدة السلف رحمهم الله جميعا وعصمنا الله من مضلات الفتن.

قال الأصبهاني - رحمه الله  تعالى -:

وللكف معان, وليس يحتمل الحديث شيئاً من ذلك، إلا ما هو معروف في كلام العرب، فهو معلوم بالحديث, مجهول الكيفية. [الحجة (2/ 262)]

وقال صديق حسن خان – رحمه الله تعالى -:

ومن صفاته سبحانه: اليد، واليمين، والكف، والإصبع. [قطف الثمر(ص 66)]

قال الراغب الأصفهاني - رحمه الله  تعالى -:

وكذلك القول فيما يضارع هذه الصفات كقوله تعالى: لما خلقت بيدي، وقوله: بل يداه مبسوطتان، وقوله: ويبقى وجه ربك، وقول النبي -  -: «حتى يضع الجبار فيها قدمه». «إن أحدكم يأتي بصدقته فيضعها في كف الرحمن». وقوله: «يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع». فإذا تدبره متدبر، ولم يتعصب بان له صحة ذلك وأن الإيمان به واجب، وأن البحث عن كيفية ذلك باطل. وهذا لأن اليد في كلام العرب تأتي بمعنى القوة ... ثم ذكر معانيها في اللغة فذكر النعمة، والنصرة، والملك، والتصرف، وبين امتناع إرادة هذه المعاني في حق ما ورد من آيات ذكر اليد لله تعالى ثم قال:  ومنها اليد التي هي معروفة، فإذا لم تحتمل الأوجه التي ذكرنا لم يبق إلا اليد المعلوم كونها، المجهولة كيفيتها، ونحن نعلم يد المخلوق وكيفيتها لأنا نشاهدها ونعاينها فنعرفها، ونعلم أحوالها، ولا نعلم كيفية يد الله تعالى، لأنها لا تشبه يد المخلوق، وعلم كيفيتها علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، بل نعلم كونها معلومة لقوله تعالى، وذكره لها فقط، ولا نعلم كيفية ذلك وتأويلها. [الحجة في بيان المحجة (2/ 257 - 262)]





المسألة الثانية: مذاهب الناس في إثبات صفة اليد لله تعالى.

أولاً: مذهب أهل السنة. مذهب الصحابة والتابعين وأهل الحديث وأهل السنة قاطبة إثبات ما لله تعالى من الصفات التي ثبتت في الكتاب والسنة كما جاءت دون تكييف أو تمثيل أو تحريف أو تعطيل وهو  القول الحق لقوة أدلتهم.

ثانياً: مذهب ابن حزم الأندلسي اثبت أن لله تعالى ايدي كثيرة. قال: إن لله تعالى يد ويدين وأيدي. وذلك لأنه أخذ بالأدلة مفردة ولم يجمع بين الأدلة فاليد تدخل تحت اليدين والجمع يدل على التعظيم وليس على الكثرة والصواب أن من ذلك أن له يدين تليقان به لا نعلم كيفيتها.

ثالثاً: مذهب أبو العباس القلانسي الكلابي أن لله يد واحدة. وهو مذهب مرجوح لإهماله للأدلة الأخرى الثابتة في الكتاب والسنة.

رابعاً: مذهب المشبهة وهم الذين يثبتون أن لله أيدي كأيدي الناس.  وزعيم هذا المذهب هشام بن الحكم الرافضي وهشام الجواليقي وهم روافض ومذهبهم إثبات أن لله جميع الأعضاء التي للإنسان إلا الفرج واللحية تعالى الله عمال يقولون علوا كبيرا وهذا المذهب كفى به قبحاً أن يرد عليه لبشاعته وشناعته قبح الله أصحابه.

قال العلامة المقريزي رحمه الله  تعالى:

وهكذا أثبتوا - رضي الله عنه م - ما أطلقه سبحانه على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك، مع نفي مماثلة المخلوقين. فأثبتوا - رضي الله عنه م - بلا تشبيه، ونزهوا من غير تعطيل، ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا... ولا عرف أحد منهم شيئاً من الطرق الكلامية ولا مسائل الفلسفة، فمضى عصر الصحابة - رضي الله عنه م - على هذا. [المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (4/ 188)]

خامساً: المجسمة وهم أصحاب مقاتل بن سليمان. يقولون أن الله جسم وجثة وصورة على صورة الإنسان ولكن لا يشبه أحد وهذا المذهب لا يقل عن مذهب الروافض الأنجاس السالف الذكر وقيل أن ما ذكر عن مقاتل بن سليمان ليس بصحيح بل نسب إليه أمور لم يثبت أنه كان يقولها ويعتقدها والله أعلم وقد دافع عنه الذهبي كما في السير فالله أعلم.

سادساً: المعطلة من الجهمية والمعتزلة والماتريدية والأشاعرة.  فإنهم يثبتون اليد لله ولكن يؤلونها ويقولون هي القدرة والقوة والملك والنعمة والسلطان والعطاء والرزق والخزائن والبركة والكرامة والعناية وهذا الكلام باطل إذ أنه هذه صفات بعضها مستقلة وبعضهما لم من أثر هذه الصفة.

وهذه التأويلات التي ذكروها لصفة اليدين من التأويلات الباطلة، وهي عين التحريف الذي ذم الله عليه أهل الكتاب الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.

وهذه التأويلات المتقدمة للمعتزلة والأشعرية لصفة اليدين بالنعمة والقدرة والقوة تأويلات باطلة بعيدة عن الصواب بمسافات بعيدة ويرد على الفريقين من وجوه:

الوجه الأول: إن الأصل في الكلام الحقيقة، فدعوى المجاز مخالف للأصل.

الوجه الثاني: أن ذلك خلاف الظاهر فقد اتفق الأصل والظاهر على بطلان هذه الدعوى.

الوجه الثالث: إن اطراد لفظها في موارد الاستعمال وتنوع ذلك وتصريف استعماله يمنع المجاز. ألا ترى إلى قوله: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ  وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ وقوله: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ، فلو كان مجازاً في القدرة أو النعمة لم يستعمل منه لفظ يمين وقوله في الحديث: «المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين»

فلا يقال: هذه يد النعمة، أو القدرة، وقوله «يقبض الله سماواته بيده، والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك»  فههنا هز وقبض، وذكر يدين، ولما أخبر  جعل يقبض يديه ويبسطهما تحقيقاً للصفة لا تشبيهاً لها.

الوجه الرابع: أن مثل هذا المجاز لا يستعمل بلفظ التثنية، ولا يستعمل إلا مفرداً،أو مجموعاً، كقولك: له عندي يد يجزيه الله بها وله عندي أيادي، وأما إذا جاء بلفظ التثنية لم يعرف استعماله قط إلا في اليد الحقيقة.

الوجه الخامس: أن ليس في المعهود أن يطلق الله على نفسه معنى القدرة والنعمة بلفظ التثنية، بل بلفظ الإفراد الشامل لجميع الحقيقة كقوله تعالى: أَنَّ الْقُوَّةَ لله جَمِيعاً وكقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا وقد يجمع الله النعم كقوله وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وأما أن يقول: خلقتك بقدرتين وبنعمتين فهذا لم يقع في كلامه ولا كلام رسوله .

الوجه السادس: أنه لو ثبت استعمال ذلك بلفظ التثنية لم يجز أن يكون المراد هنا القدرة فإنه يبطل تخصيص آدم فإنه وجميع المخلوقات حتى ـ إبليس ـ مخلوق بقدرة الله.

الوجه السابع: أن هذا التركيب المذكور في قوله خَلَقْتُ بِيَدَيَّ يأبى حمل الكلام على القدرة لأنه نسب الخلق إلى نفسه ـ سبحانه ـ ثم عدى الفعل إلى اليد ثم ثناها، ثم أدخل عليها الباء التي تدخل على قولك كتبت بالقلم ومثل هذا نص صريح لا يحتمل المجاز بوجه. [ هذه السبعة ذكرها ابن القيم مختصر الصواعق 2/153 وما بعدها]

قال ابن خزيمة – رحمه الله  تعالى - في صدد رده على الجهمية المؤولين لليد بالنعمة: وزعمت الجهمية والمعطلة أن معنى قوله بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ أي: نعمتاه، وهذا تبديل لا تأويل والدليل على نقض دعواهم هذه أن نعم الله كثيرة لا يحصيها إلا الخالق البارئ ولله يدان لا أكثر منها كما قال لإبليس لعنه الله مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فأعلمنا الله ـ جل وعلا ـ أنه خلق آدم بيديه فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته كان مبدلاً لكلام الله. اهـ. [كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب (ص85 ـ 86)]

وقال العلامة أبو الحسن الأشعري – رحمه الله  تعالى -:

 وقد اعتل معتل بقول الله ـ عز وجل ـ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الأيدي القوة أن يكون معنى قوله «بيدي» بقدرتي وقيل لهم: هذا التأويل فاسد من وجوه آخرها أن «الأيد» ليس بجمع لليد لأن جمع يد التي هي النعمة «أيادي» وإنما قال لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فبطل بذلك أن يكون معنى قوله «بيديَّ» معنى قوله وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وأيضاً فلو كان أراد القوة لكان معنى ذلك بقدرتي وهذا ناقض لقول مخالفنا وكاسر لمذاهبهم لأنهم لا يثبتون قدرة واحدة فيكيف يثبتون قدرتين. اهـ [الإبانة (ص35)]

الوجه الثامن: فهم السياق فلابد من معرفة السياق حتى تفسر الآية المشتملة على الصفة تفسيراً صحيحاً، ومن السياقات الدالة على أن اليد هي صفة حقيقية لله تعالى: أن الله تعالى ذكرها بصيغة التثنية، ولا يوجد في كلام العرب أنهم ذكروا اليد بمعنى النعمة، أو القوة، أو القدرة في سياق التثنية المضافة إلى معين؛ لأن الله يقول: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فجاء ذكر اليدين هنا مثناة ومضافة، ولا يوجد في كلام العرب أنهم يستعملون اليد في غير معنى الصفة إذا جاءت بمثل هذا السياق، ولذلك فإن ابن تيمية رحمه الله  تعالى في أحد مناظراته في صفة اليدين اشترط هذا الشرط، فانقطع المخالف له.

وخلاصة القول مما تقدم في هذا المبحث أن لله ـ تعالى ـ يدين حقيقيتين تليقان بجلاله، وأن ما ورد في شأن اليد من الإمساك والطي والقبض والبسط والخلق باليدين وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده، وكون المقسطين عن يمينه، وتخيير آدم بين ما في يديه وأخذ الصدقة بيمينه يربيها لصاحبها وأنه مسح ظهر آدم بيده إلى غير ذلك مما ورد في شأنها يدل دلالة واضحة على أنها يد حقيقة، كما أخبر بذلك ـ جل وعلا ـ وأن تأويلها بالقدرة، أو النعمة تأويل ظاهر البطلان. [مختصر الصواعق المرسلة (2 /171)]


المسألة الثالثة: وصف أعمال يدي الله تعالى.

قلت: قد ثبت بالأدلة الكثيرة أن من صفات اليدين لله تعالى أمور منها.

الهز.

والدليل: «يقبض الله سماواته بيده، والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك» [البخاري (٧٤٥١)، ومسلم (٢٧٨٦) واللفظ له ]

القبض.

والدليل: والْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.

البسط.

والدليل: وَقَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ.

التقليب.

والدليل: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا»[صحيح الجامع (١٦٨٥)]

الخلق.

والدليل: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ

البناء.

والدليل: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ

الرفع والخفض.

والدليل: «وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ قَوْمًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».[تخريج كتاب السنة (٥٥٠)]

العمل:

والدليل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا.

والطي:

والدليل: والْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.

أن الخير بيده.

والدليل: وَقَالَ: تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

أن الملكوت بيده.

والدليل: فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تَرْجَعُونَ

الأخذ

والدليل: «يَأْخُذُ الْجَبَّارُ، عَزَّ وَجَلَّ، سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ»[مسلم(2788)]

الفوقية:

والدليل: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ

الحثو:

والدليل: «سألت الله الشفاعة لأمتي فقال: لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قلت: رب زدني، فحثى لي بيديه مرتين وعن يمينه وعن شماله».[الصَّحِيحَة: (1879)]

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله  - يقول «وعدني ربي عزّ وجل أن يدخل في الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي عزّ وجل». [أحمد(٢٢٣٠٣)بسند حسن]

فقوله: «وزادَني ثلاثَ حَثَياتٍ»، أي: ثلاثَ غَرفاتٍ بيَدِ الرَّحمنِ، وهو الكريمُ، وإنَّما عبَّرَ بالحَثَياتِ؛ لأنَّ مِن شأْنِ المُعطي إذا اسْتُزِيدَ أنْ يَحْثِيَ بكفَّيْه مِن غيرِ حِسابٍ، وربَّما ناولَهُ مِلْءَ كفٍّ.

والحَثْيةُ ما يَحْثوه الإنسانُ بيَدَيه مِن ماءٍ أو تُرابٍ أو غيرِ ذلك، ويُستعمَلُ فيما يُعْطيه المعطي بكفَّيه دَفعةً واحدةً، وأُريدَ بها الدَّفعاتُ، أي: يُعطي بعدَ هذا العدِّ المنصوصِ عليه ما يَخْفى على العادِّين حَصْرُه وتَعدادُه؛ فإنَّ عَطاءَه الَّذي لا يَضبِطُه الحسابُ أوْفى وأَرْبى مِن النَّوعِ الَّذي يتَداخَلُه الحسابُ، وخاصَّةً أنَّه قال: «مِن حثَياتِ اللهِ عزَّ وجلَّ»، فهؤلاء يَدخُلون الجنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ولا عذابٍ، وقيل: المرادُ: أنَّ عددَ ما يَملَأُ تِلك الحثَياتِ الثَّلاثَ هو مَن يَدخُلُ الجنَّةَ فقط، وقيل: بل المرادُ أنَّ مع كلِّ ألفٍ سَبعينَ ألفًا وثلاثَ حثياتٍ، فيكونُ مجموعُ الحثَياتِ: ثلاثَ حثياتٍ في سَبعين مرَّةً، معَ تنزيهِ اللهِ تعالى عن مُشابَهةِ الخَلْقِ في الحَثْوِ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ ليس كمِثلِه شيءٌ، وكيفيَّةٌ حَثْوِ اللهِ لا يَعلَمُها إلّا اللهُ سبحانه.


المسألة الرابعة: الأشياء التي خلقها الرحمن بيده:

لا يعجز الله شيء، فإذا أراد شيئاً خلقه بكلمة (كن) ، فيكون كما أراد، إلا أنّه خلق بيده أشياء مما يدلّ على تكريمها، ورفع منزلتها، وعناية الله بها، والمخلوقات التي خلقها الله بيده، وذكرها لنا في كتابه أو وردت في سنة رسوله هي:

1- آدم:

وفي ذلك يقول تعالى لإبليس:  ما منعك أن تسجد لما خلقت بِيَدَيَّ .

وفي حدث الشفاعة الطويل: فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسكنك جنته. [البخاري(7440)]


2- كتب التوراة بيده:

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قال رسول الله  -:  تحاجَّ آدمُ وموسى عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ فقال موسى يا آدمُ أنتَ أبونا خلقَك اللَّهُ بيدِه ونفخَ فيكَ من روحِه وأسجدَ لَك ملائِكتَه خيَّبتَنا وأخرجتَنا من الجنَّة فقال آدمُ أنتَ موسى كلَّمَك اللَّهُ تَكليمًا وخطَّ لَك التَّوراةَ بيدِه واصطفاكَ برسالتِه فبِكم وجدتَ في كتابِ اللَّهِ تعالى {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى} قال بأربعينَ سنةً قال فتلومُني على أمرٍ قدَّرَه اللَّهُ عليَّ قبلَ أن يخلقَنيَ بأربعينَ سنةً قال رسولُ اللَّهِ  فحجَّ آدمُ موسى.  [البخاري (٦٦١٤)، ومسلم (٢٦٥٢)]


3- كتب بيده كتاباً موضوعاً عنده:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي  قال: لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده: غلبت - أو قال: سبقت - رحمتي غضبي، فهو عنده فوق العرش. [البخاري(7554)مسلم(2751)]

ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: رحمتي سبقت غضبي. [صحيح سنن ابن ماجة(156)]

في هذا الحديثِ: يقول النبيُّ : «إنَّ اللهَ كَتَب كتابًا قبلَ أن يَخلُقَ الخَلْقَ»، أي: إنَّ اللهَ تعالى كَتَب المقادِيرَ قبلَ أن يَخْلُقَ الخلقَ، ومِمّا كَتَب سبحانه وتعالى وهو عندَه فوقَ العَرْش: أنَّ رحمتَه تعالى سَبَقَتْ غَضَبَه؛ فهو سبحانه وتعالى الغَفُور الرَّحِيم، فكانتْ رحمتُه أسبقَ لعبادِه مِن الغَضَبِ

وورد إثبات كتابة الرحمن الكتاب بيده في كتاب السنة لابن أبي عاصم، ولفظه: لما قضى الله تعالى الخلق كتب بيده في كتاب عنده: غلبت أو قال: سبقت رحمتي غضبي، فهو عنده فوق العرش. [كتاب السنة، لابن أبي عاصم (608)]


4- غرس كرامة أهل الجنة بيده:

عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه –أن رسول الله  قال: سأل موسى ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال هو رجل يجئ بعدما أدْخل أهل الجنة الجنة، فيُقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب، وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من مُلوك الدنيا؟ فيقول: رضيتُ ربّ، فيقول: لك ذلك، ومِثلهُ ومِثلهُ ومِثلهُ، فقال في الخامسة: رضيت ربّ، فيقولُ: هذا لك، وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك فيقول: رضيت ربّ. قال: ربّ فأعلاهُم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، قال: ومصداقه في كتاب الله - عز وجل - فلا تعلم نفسٌ مَّا أُخْفِيَ لهم من قُرَّةِ أعينٍ جزاء بما كانوا يعملون.[مسلم(189)]


المسألة الخامسة: هل توصف يدي الله تعالى أنهما يمين وشمال؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:

أولها: أن كلتا يديه يمين واستدلوا بالحديث الصحيح وكلتا يديه يمين وهو قول الإمام أحمد وابن خزيمة وابن بطة  والبيهقي، والألباني.

عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنه ما مرفوعاً:  "إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يَمِين الرحمن عَزَّ وجَلَّ، وكلتا يديه يَمِين". [مسلم(1827)]

وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما مرفوعاً: "أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيَمِينه، وكلتا يديه يَمِين ... " . رواه: ابن أبي عاصم في [السنة  (106)] وصحَّحَه الألباني.

فالله سُبحانَه تُوصَفُ يَداه باليَمِين والشِّمالِ مِن حيثُ الاسْمِ، كما في حديثِ ابنِ عُمَرَ، وكِلْتاهُما يَمِينٌ مُبارَكَةٌ مِن حيثُ الشَّرَفِ والفضلِ، كما في هذا الحديثِ.

وسئل الشيخ الألباني-رحمه الله  تعالى- في [مجلة الأصالة (ع4، ص 68)] :

"كيف نوفِّق بين رواية: "بشماله" الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنه ما في "صحيح مسلم" وقوله : "وكلتا يديه يَمِين" ؟

الجواب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء؛ فقوله : " ... وكلتا يديه يَمِين" : تأكيد لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله  تأكيدٌ للتنْزيه، فيدُ الله ليست كيدِ البشر: شمال ويَمِين، ولكن كلتا يديه سبحانه يَمِين.

وأمر آخر؛ أنَّ رواية: "بشماله" : شاذة؛ كما بيَّنتها في "تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن" (رقم 1) للمودودي.

ويؤكد هذا أنَّ أبا داود رواه وقال: "بيده الأخرى" ، بدل: "بشماله" ، وهو الموافق لقوله : "وكلتا يديه يَمِين" ، والله أعلم

ثانيها: أنها تسمى الثانية يمين واستدلوا ثم يطوي الأرضين بشماله وهو قول الدارمي ومحمد بن عبد الوهاب.

ثالثها: أنها تسمى الأخرى واستدلوا بحديث ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى.

إنَّ تعليل القائلين بأنَّ إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ يَمِين والأخرى شمال، وأننا إنما نقول: كلتاهما يَمِين؛ تأدباً وتعظيماً؛ إذ الشِّمال من صفات النقص والضعف، قول قوي، وله حظٌ من النظر؛ إلا أننا نقول: إنَّ صفات الله توقيفية، وما لم يأتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في وصف إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ بالشِّمال أو اليَسَار؛ فإننا لا نتعدى قول النبي : « كلتاهما يَمِين». والله أعلم. [صفات الله عز وجل الوادرة في الكتاب والسنة(ص388)]


المسألة السادسة: هل لأصابع الرحمن عدد محدود؟

أما إثبات خمس أصابع لله فلا أراه باطلاً أو بعيداً فقد ثبت في السنة على لسان أعلم الخلق بالله -تعالى- أن لله أصابع في قوله --: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» [ مسلم (2654)] وغيره بألفاظ متقاربة من حديث ابن عمر - رضي الله عنه ما- لكن لم يرد في علمي في الكتاب والسنة عدد أصابع الرحمن محددة والذي ورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ  - فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ. قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ  حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: » وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [البخاري(7451) مسلم(2786)]

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه  -: قَالَ:

مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ  - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ  -: «يَا يَهُودِيُّ حَدِّثْنَا» فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا القَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ عَلَى ذِهْ، وَالأَرْضَ عَلَى ذِهْ، وَالمَاءَ عَلَى ذِهْ، وَالجِبَالَ عَلَى ذِهْ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى ذِهْ - وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ بِخِنْصَرِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ تَابَعَ حَتَّى بَلَغَ الإِبْهَامَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ. [الترمذي (3240) قال الألباني: صحيح]

وجاء في حديث النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ الْكِلَابِيُّ - رضي الله عنه  -:

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  - يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ  - يَقُولُ: « يَا مُثبِّتَ الْقُلُوبِ، ثبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. قَالَ: وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ».[سنن ابن ماجة  (199) قال الألباني: صحيح]

فنحن نثبت أن لله خمس أصابع ولا نكيف ولا نحددها بهذا العدد ولكن لا يجزم بأنه ليس لله غيرها ولا يثبت إذ لا نص فالله تعالى أعلم بذاته تعالى والله أعلم.

المسألة السادسة: هل يوصف الله تعالى بأن له ذراع وساعد؟

لم يأت دليل من الكتاب والسنة يثبت هذا فعليه لا نثبت لله تعالى هذا حتى يأت دليل صحيح صريح والله أعلم.


المرجع/ أحكام الكف ((ص8-22(( نسأل الله أن يسسر بطباعته.

❐أبّوَ مٌحُمٌدِ طِاُهرَ الُسِمٌاوَيَ❐:

     ════ ❁✿❁ ════
https://t.me/taheer77
     ════ ❁✿❁ ════
*✍ إنشـــر.فنشر.العــلم.من.أجل.القربـــات.ms*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تلحين العبادات القولية

  📮التلحين في العبادات القولية. بالنسبه للتلحين في العبادات القولية لا يوجد عبادة من العبادات يشرع فيها التلحين والذي هو مشروع تحسين الصوت ...